التفاسير

< >
عرض

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٢٩
-الفتح

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مُّحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ } الذي سبق ذكره في قوله أرسل رسوله وذلك مبتدأ وخبر ومحمد خبر لمحذوف ورسول بدل أو بيان لمحمد ونعته والجملة بيان للمشهود به وقال الجمهور استئناف لتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم* { وَالَّذِينَ مَعَهُ } مبتدأ يعني المؤمنين مطلقا وقيل الصحابة وقال ابن عباس من شهد الحديبية والجمهور على الثاني* { أَشِدَّآءُ } خبر او محمد مبتدأ ورسوله بيان وبدل ونعت والذين معطوف على محمد و { أَشِدَّآءُ } خبر جمع شديد { عَلَى الْكُفَّارِ } غلاظ عليهم أقوياء كالاسد على الفريسة قال الحسن بلغ من تشددهم على الكفار انهم يتحررون من ثيابهم أن تمس ثيابهم ومن أبدانهم ان تمس ابدانهم* { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } خبر ثان اي يتراحمون كالوالد مع الولد جمع رحيم قال الحسن بلغ من تراحمهم فيما بينهم انه لا يرى مؤمن مؤمنا الا صافحه وعانقه والمصافحة لا خلاف فيها والمعانقة لا بأس فيها وكذا التقبيل مع الذكر البالغ حيث لا فتنة أو مع الولد ولو طفلا ولا تقبل طفلة وتقبل يد الرجل لتعظيمه في الدين وكره ابو حنيفة المعانقة وتقبيل شيء من جسد الرجل ورخص ابو يوسف في معانقته وذلك كقوله تعالى { { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } } { { وأغلظ عليهم } } { { بالمؤمنين رؤوف رحيم } وحق على المسلمين في كل زمان ان يراعوا هذا التشدد وهذا الترحم يشددون على من خالف دينهم ويعاشرون اخوتهم في الاسلام متعطفين بالبر والصلة وكف الأذى والمعونة والاحتمال والأخلاق السمحة قال صلى الله عليه وسلم "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وقال "لا تنزع الرحمة الا من شقي" وقال "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" وأسباب الألفة كثيرة تلقاه بوجه طليق وتبذل السلام وتطيب الكلام والموفق لا يحتقر من الخير شيئا وفي الحديث "اذا التقى المسلمان كان أحبهما الى الله أحسنهما بشراً بصاحبه أو قال أكثرهما فاذا تصافحا أنزل عليهما مائة رحمة تسعون للذي بدأ وعشرة للذي صوفح" والمسلم يرحم كل أحد الا من منع الشرع رحمته كالكافر المشرك ومن رحمته اذلال للاسلام وكل أحد له رحمة تناسبه حتى الكافر المشرك اذا اذعن للاحكام وفي الآية ما يلحق بالطباق البديعي وهو الجمع بين معنيين يتعلق أحدها بما يقابل الآخر نوع تعلق كالسببية لا اللزوم فالمعنيان الشدة والرحمة والرحمة متعلقة باللين المقابل للشدة فان اللين سبب للرحمة وملزوم لها والرحمة مسببة ولازمة وقرئ بنصب (أشداء ورحماء) على المدح والحال من ضمير الاستقرار في (معه) والخبر هو* { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتها وقيل الصلوات الخمس والرؤية بصرية* { يَبْتَغُونَ } يطلبون وهو مستأنف او حال ثالثة والأولى والثانية ركعا { سُجَّداً } وهي مترادفة وان جعلنا سجدا حالا من ضمير { رُكَّعاً } و { رُكَّعاً } حالا من ضمير { سُجَّداً } ونحو ذلك كانت متداخلة (وركعا وسجدا) جمعا راكع وساجد ويجوز كون الرؤية علمية فيتعدد المفعول الثاني* { فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً } وادعى بعض ان المراد الصلاة والصوم والدين كله والصحيح الأول وهو نص صريح ان المؤمن المخلص يطلب بعمله الأجر من الله ولا ضير عليه والدرجة العليا ان يعمل تعظيما لله ولا يخطر له ثواب أو عقاب ولا أجر للمرائي وقيل { الَّذِينَ مَعَهُ } أبو بكر و { أَشِدَّآءُ } عمر و { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً } بقية الصحابة وعن بعض قومنا و { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } عثمان و { رُكَّعاً سُجَّداً } عليّ وهذان القولان انما يقول بهما الفقيه الجافي الذي لا حظ له في معرفة الكلام وتصريفه وحقيقته ولو قال قائل الرجل قائم وأراد بالرجل زيدا مثلا وبقائم عمرا لاستحق أن يكون موضع لوم عند الناس فكيف يقول الله مثل ذلك* { سِيمَاهُمْ } اي علامتهم وقرئ سيماهم* { فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } وقرئ من (آثار السجود) في وجوههم (خبر سيماهم) و (من أثر) متعلق بما يتعلق به (في) وبمحذوف حال من ضمير الاستقرار وتلك السيما تكون يوم القيامة وهي نور وبياض يعرفون بها في الآخرة انهم يسجدون في الدنيا لله قاله ابن عباس والحنفي وعطية كما يجعلون غرا محجلين من أثر الوضوء قيل يكون موضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر قيل ويؤيد هذا القول اتصال ذلك بقوله { فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً } وقيل هي ان يبعثوا غرا محجلين من أثر الوضوء وبذلك يعرفون كما في الحديث وقيل هي في الدنيا فقيل عن ابن عباس انها خشوع يبدو على الوجه من الاسلام وانها سجية الاسلام وسميته اورثهم السجود ذلك وهذه حالة مكثر الصلاة لانها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر وقال عطاء بن ابي رباح والربيع بن انس استنارة وحسن يعتريان وجوه المصلين وفي الحديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" وقال الحسن ابن ابي الحسن وشمر بن عطية بياض وصفرة في الوجه من سهر الليل في الصلاة فمن سهر في الصلاة أصبح في وجهه نور وبياض ومن سهر في اللهو واللعب أصبح في وجهه ظلمة وقيل السيمة الحسن والخشوع والتواضع وقال الضحاك صفرة وقال سعيد بن المسيب ندى الطهور وتراب الارض وعن مالك بن انس وعكرمة وابي العالية كانت جباههم متربة من كثرة السجود وذلك انهم يصلون على التراب وقيل صفرة الوجه خشية الله وقيل ما يؤثرة السجود في الوجه من التكعب في الجبهة وعليه سعيد بن جبير وكان علي بن الحسن زين العابدين وعلي بن عبدالله بن عباس يقال لكل منهما ذو الثفنات لأن كثرة سجودهما احدث في جباههما اشباه ثفنات البعير وما ذكر من الثفنات واثر التراب انما يمدح بهما لعدم قصد الفاعل المدح وان قصده فرياء وكفر ولذلك نهي عن كثرة الاعتماد على الأرض بالوجه وقالوا ترك التراب على الجبهة بعد الصلاة جفاء قال بعض السلف كنا نصلي فلا يرى بين أعيينا شيء وترى أحدنا لا يصلي فترى بين عينيه ركبة البعير فلا ندري اثقلت الأرض أم خشنت الأرض وانما اراد من قصد الرياء وقد جعل الله حسن الثناء علامة للخير والذم علامة للشر وذلك اذا كان من العالم بالاحوال ولا شك انه اذا رأيت أهل ولايتك اثنين فصاعدا يمدحون أو يذمون تحكم بمدحهم او ذمهم روي انهم "مروا بجنازة فاثنوا خيرا فقال صلى الله عليه وسلم وجبت الجنة ومروا باخرى فقالوا شرا فقال وجبت النار انتم شهداء الله في أرضه وقال يوشك ان تعرفوا اهل الجنة من اهل النار قالوا يا رسول الله به قال بالثناء الحسن والثناء القبيح وقيل يا رسول الله من أهل الجنة فقال من لا يموت حتى تملأ مسامعه بما يحب قيل فمن أهل النار قال من لا يموت حتى تملأ مسامعه بما يكره وأتاه رجل فقال متى أعلم اني محسن فقال اذا قال جيرانك محسن وانت مسيء اذا قالوا انك مسيء" ومرت جنازة فقال ابن مسعود انظروا من أهل الجنة أو النار فقالوا بماذا فقال بالثناء الحسن والسيء وبعد فان ذلك لا يلزم صدقة وما هو الا امارة تصدق وتكذب بدليل أحاديث أخرى مروية ومن كتب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخر السورة شاهد العجب من القبول والتسخير وان علق ذلك على بهيمة خضعت وينفع الحمى الباردة وتزيد القوة والشدة للشيخ المريض والحفظ وتنفع الطفل أيضا ولا سيما ان كتبها ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المعظم وقيل في الرابع والعشرين في خرقة حرير أبيض بمسك وكافور وماء ورد ويجلده بعد لف في جلد غزال وتنفع لكل ضرر وجن وانس وجبار والحامل وهي جامعة لحروف المعجم ومن أكثر من قراءتها أجيبت دعوته وخرج من الضيق وتكون له أعوان وأنصار على الخير ويعطى خير الدنيا والآخرة وتكتب هكذا*
قوله الحق وله الملك
حم عسق قوله سلام فهم مغفرة طس عم اسرافيل المر على داود وعز الله الذين آمنوا { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْاَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ } الخ*
تكتب مدورة حتى تتم وقالوا من كتب هذا قوله الحق وله الملك* ودفنه في الأرض رأى عجبا بعد تقابل به الشمس حين تطلع* (ذلك) الوصف واشارة مبهمة أوضحها قوله { كَزَرْعٍ } الخ كقوله وقضينا اليه ذلك الأمر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين* { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها وذلك مبتدأ ومثلهم خبر* { وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ } وقرئ بفتح الهمزة* { كَزَرْعٍ } مبتدأ وخبر هذا تفسير الضحاك ويجوز كون { مَثَلهُم } معطوفا على { مَثَلهُم } وكزرع خبر لمحذوف اي هم كزرع وهو تفسير مجاهد واختاره بعضهم وتفسيره متعلق بمثل وحال منه ومن اسم الاشارة ولو كان مبتدأ لأن فيه معنى اشير وذلك ايضا يحتمله مجاهد قال قتادة مكتوب في الانجيل سيخرج قوم ينبتون الزرع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كالزرع يكونون قليلا ثم يكثرون وفي التوراة ان الله قال لابراهيم عليه السلام حين دعاه في ابنه اسماعيل قد أجبتك في اسماعيل او باركت عليه وكثرته وعظمته جدا جدا واجعله لأمة عظيمة يعني أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أراد الاكثار من ذلك فعليه بمقامع الصلبان وروضات الإيمان لبعض علماء قرطبة ردها الله وجميع بلاد الاندلس للاسلام كان يعرف خطوط جهل الكتاب ولغتهم وجادلهم وأقحمهم { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فراخه وأولاده وارخ الزرع أخرج السنابل حول الأصل أو تهيأ للانشقاق بعد ما يطلع قرأ ابن كثير وابن عامر في رواية ابن ذكوان بفتح الطاء وقرئ (شطأه) بتخفيف الهمزة (وشطاه) بالمد (وشطه) بحذف الهمزة بعد نقل فتحها للطاء (وشطوه) بقلبها واوا وتلك لغات* { فَآزَرَهُ } فقواه من المؤازرة وهي المعاونة وعن الاخفش انه فعل ومن الازر وهو الاعانة او من الازار اي كن له كالازار او شد ازره وهو الحقو ومشد الازار منه والقائل ضمير الزرع أو (شطا) او المعنى ساواه طولا وقرأ ابن كثير في رواية ابن ذكوان (فآزره بهم) بدون الف وقرئ (فازره) كذلك لكن بالتشديد { فَاسْتَغْلَظَ } موافق لمجرد اي غلظ والصيرورة اي فصار غليظا والضمير للزرع { فَاسْتَوَى } استقام* { عَلَى سُوقِهِ } تم وتلاحق بناؤه والسوق بضم السين جمع ساق وهو العود الذي يقوم عليه فيكون ساقا له وقيل السوق الأصول وعن ابن كثير (سؤقه) بالهمزة* { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ } اي يعجب حسنه ونماءه وكثافته وغلظه وقوته الزراع وذلك مثل ضربه الله للنبي وأصحابه قلوا في بدء الاسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث يعجب الناس وعن النقاش عن ابن عباس الزرع النبي فآزره عليّ فاستغلظ بأبي بكر فاستوى على سوقه بعمر وقيل الزرع النبي صلى الله عليه وسلم وشطأه أبو بكر فآزره عمر فاستغلظ عثمان فاستوى على سوقه عليّ يعجب الزراع جميع المؤمنين وقيل الزرع النبي والشطء أصحابه والمؤمنون وذلك ان النبي جاء وحده فهو كحبه واحدة ثم تقوى بالمسلمين بلا شك لكن منهم من مات على غير الوفاء* { لِيَغِيظَ بِهِمُ } وفاعل يغيظ ضمير (الله) وضمير رسوله وقيل (الزراع) هو رسوله والضمير المجرور للمؤمنين واللام متعلق بمحذوف اي انماهم وارقاهم ليغيظ بهم* { الْكُفَّارَ } او متعلق بوعد لأن الكفار اذا سمعوا بما وعد للمؤمنين في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك قال الحسن من غيظ الكفار قول عمر رضي الله عنه بمكة لا يعبد الله سرا بعد اليوم قال مالك بن انس: من اصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اصابته هذه الآية. وعندنا كذلك ما لم تقم حجة ذم احدهم* { وَعْدَ اللهِ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } وماتوا عليها ولم ينقضوها بالموت على الكبيرة مثل قتل النفس التي حرم الله فان الاتيان الى الآخرة بالعمل الصالح شرط مذكور في غير الآية فتحمل عليه الآية* { مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } هو الجنة وقيل المغفرة جزاء الايمان والاجر العظيم جزاء العمل الصالح و (من) للتبعيض فخرج من لم يأت بالعمل الصالح وأتى به وأبطله بمثل قتل حرقوص وضرب ابن مسعود وضرب ابي ذر غير ذلك وقال القوم هي للبيان ليدخل جميع الصحابة وعن ابن جبير الضمير للشطء وان الشطء من يولد ويؤمن الى يوم القيامة والجمع نظر للمعنى سلمنا انها للبيان لكن لابد من اخراج من لم يمت على الوفاء وهذه احاديث نص في الاخراج وما ورد من الأحاديث في المدح فمحمول على ذلك الشرط والتخصيص والصحابة كلهم عدول وفي الآية الا من ظهر منه ما يبرأ به منه وليس كما يدعي بعض الأصحاب ان المتولين منهم معدودون والمتبرأ منهم معدودون والباقي يوقف فيه بل نتولى الباقي لشهرتهم في الخبر وكثرة الدلائل ولكونهم تحت الامام العادل وأما من توقف فيه أصحابنا فلفعل سوء لا يبلغه البراءة وليسوا أعني من توقفوا فيهم في الولاية ثم توقفوا فيهم بل ولو كان فيهم فلا ضير في نقله منها الى الوقوف لأن ولايته تبع قال الشيخ أحمد اعلم ان الصحابة كلهم عدول الاّ من ظهر تجريحه أو ارتداده وقيل كغيرهم في التوقف عن البحث عن العدالة وقيل بعدالتهم وقيل عدول الى وقت الفتن ثم يجب البحث وجاء في العامة خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث يعني الصحابة والتابعين وتابعيهم والقرن مختلف فيه قيل عشر سنين وقيل عشرون وهكذا الى مائة وقال
"لا تسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيده لو ان أحدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مدهم ولا نصيفه" وهذا فيمن لم يرد فيه خبر منه صلى الله عليه وسلم بذمه ولم يذمه ولم ير منه وكذا قوله "لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن احبهم أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله يوشك أن يأخذه" وقوله "ما من أحد يموت من أصحابي بأَرض إلا بعث قائدا ونورا لهم" وقال في الخاصة "أبو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة في الجنة" ولم يصح عد عثمان وعليّ فيهم الأحاديث تنافي ذلك يسلمها الخصم وصعد أحدا فرجف فقال اثبت انما عليك نبي وصديق وشهيد يعني أبا بكر وعمر ولم يصح عد عثمان في الشهادة مع عمر وقال "أرحم أمتي بأُمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأشدهم حراء عثمان" يعني الحياء الطبيعي والمكتسب الذي يكون في غير المتوفى أيضا "وأفضلهم عليّ" يعني فضل علم وشجاعة نحوهما "وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرأهم أبّي بن كعب ولكل قوم أمين وأمين هذه الأمة ابو عبيدة بن الجراح وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر" وقال "اقتدوا بالذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عثمان أي مما وافق الحق وتمسكوا بعهد ابن مسعود" وقال "أحب النساء اليّ عائشة وأحب الرجال أبوها وبعده عمر" وقال "رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني الى دار الهجرة وصحبني في الغار وأعتق بلالا من ماله رحم عمر يقول الحق وان كان الحق مرا" تركه وما له من صديق وكيف يصح أن يقول رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة ورحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار مع ما وصفهما به من الوقوع ثم الفتنة فان صح قوله ذلك فإنما قاله قبل علمه بما يحدثان بعده وكان أبو عبدالله محمد بن محبوب يقف عن الحسن والحسين وقال ولم أجد أحدا أعاب الحسين بشيء غير أنه أعان على قتل ابن ملجم فيما قال أبو صفرة والله أعلم أكان أم لا والحسين أحسن حالا وقلبي عليه أرأف اذا كان يرمي بالنبل ودمه ينضح وكتب اليه يزيد بن معاوية أن يبايعه فهرب الى مكة ثم خرج واتبعه زيادا بجنود فقتلوه ووقف فيهما بعض المسلمين مثل ابن محبوب وتبرأ منهما بعض وبالبراءة جزم في الضياء وتبرأوا من عليّ وعثمان وطلحة وجميع من رضي بحكومة الحكمين وحسان وفي كتاب الناسخ والمنسوخ هو ليس في الولاية عند اصحابنا الا ما يوجد في بعض الأثر من ولايته ووقفوا في محمد بن مسلمة وابن عمر وسعيد بن ابي وقاص وابي هريرة وابي الدرداء ابي امامة وكعب الاحبار وعبدالله بن سلام قال وأشك في زيد بن ثابت اهو في الولاية أم لا وما سمعت من عبدالرحمن بن أبي بكر الا خيرا وتولوا أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود وأبا ذر وسلمان وحمزة والعباس وحرقوصا وأبيّ بن كعب وزيد بن صوجان وخزيمة بن ثابت ومحمدا وعبدالله ابني بديل وعمارا وبلالا وسالما وعثمان بن مظعون وأويس وعبدالله بن رواحة واعلم يا أخي ان الاقتصار على هؤلاء تحجير للواسع وقد ثبت من رواية أبي عبيدة عن جابر بن زيد رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها انها قالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن وهو ابن عمر وهذه منها ولاية له واذا اثبتت ولايته لم يتوقف فيه لشيء رئي فيه مما لا تدخل عليه الولاية بل يتولى حتى يري منه موجب براءة وثبت من رواية أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس "ان أبا طلحة لما تصدق ببير قال له صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذلك ما رابح يروح بصاحبه الى الجنة" فهذا إخبار بأنه من أهل الجنة وادعاه انه اشارة الى حقيقة المال تكلف ولم أر أحدا ادعى ذلك وثبت في القناطر انه صلى الله عليه وسلم قال لابي الدحداح كم من عذق رداح ودار فياح في الجنة لابي الدحداح فهذا نص انه من أهل الجنة والواضح ما قررته لك والا فلا أقل من أن توالي من مات من الصحابة قبل الفتنة الا من اشتهر عنه شر فبالله عليك ما يزيح الولاية عمن اختاروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنفسهم وأهلهم وأموالهم وماتوا دونه في قتال المشركين كجعفر ذي الجناحين الملقب بجعفر الطيار وغيره وتولى بعض أصحابنا المتأخرين مالك بن دينار وابراهيم بن أدهم وربيعة بن العدوية ونحوهم وهم من غير الصحابة وصرح أبو محمد عبدالله بن محمد بن ناصر بن ميال بن يوسف وزير أفلح بن عبدالوهاب بولاية مالك بن دينار وهرم بن حيان اللهم ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبحق السورة علينا اخز النصارى وأهنهم وإكسر شوكتهم وصلى الله على سيدنا محمد وصحبه وسلم تسليما.