التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
١٣
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى } آدم وحواء فاضلكم واحد فكيف تتفاخرون وتتناقصون وتسخرون وقيل كل منكم ولد من ذكر وأنثى واب وام وكلكم خلق الله قيل مر صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض الأسواق في المدينة واذا غلام اسود قائم ينادى عليه بالبيع وهو يقول من اشتراني فعلى شرط ان لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه رجل على هذا الشرط فكان صلى الله عليه وسلم يراه عند كل صلاة مكتوبة ففقده يوما وقال لصاحبه اين الغلام فقال محموم يا رسول الله فقال لاصحابه قوموا بنا نعوده فقاموا معه وعادوه ولما كان بعد ايام قال لصاحبه ما حال الغلام قال يا رسول الله ان الغلام لما به فقام ودخل عليه وهو في برحائه فقبض ودفنه فدخل على الصحابة من ذلك أمر عظيم فقال المهاجرون هاجرنا ديارنا واموالنا وأهلونا ولم ير منا احد في حياته ومرضه وموته وما القى منه هذا الغلام وقالت الانصار آويناه ونصرناه وواسيناه باموالنا فآثر علينا عبدا حبشيا فنزلت الآية وقيل امر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بلالا يؤذن فعلا ظهر الكعبة فاذن فقال عتاب بن اسيد بن العيص الحمد لله الذي قبض ابي ولم يشهد هذا اليوم وقال الحارث بن هشام اما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهل بن عمرو ان يكره الله شيئا يغيره وقال ابو سفيان اني لا أقول شيئا اخاف ان يخبره رب السماء فاخبره جبريل بقولهم فدعاهم فسألهم فاقروا فنزلت "وقال ابن عباس نزل في ثابت بن قيس بن شماس وقوله وفي الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة فقال ثابت أَنا يا رسول الله فقال أنظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت يا ثابت قال رأيت أبيض وأسود وأحمر قال فانك لا تفضلهم الا بالدين والتقوى" وعن الحسن "كان بين ابي ذر ورجل كلام وكان الام يكرهون ذكرها فذكره ابن ذر بها فبلغ ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أَعيرت فلانا بأُمه يا أَبا ذر أُنظر إِلى من حولك من أَبيض وأَحمر وأَسود فمالك على احد منهم فضل إِلا أَن تفضله بتقوى الله" { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ } وقرئ (شعبا) باسقاط الواو وهو جمع شعب بفتح الشين واسكان العين والشعب الجمع العظيم المنتسب الى أصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعميرة تجمع البطون والبطن يجمع الافخاذ والفخذ يجمع الفصائل والاسرة وهما بمعنى واحد وهو قرابة الرجل الادنون فخزيمة شعب وكنانة قبيلة منهم وقريش وعمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وأسرة وسميت الشعب لتشعب القبائل منها وقيل بتجمعهم وعن بعض ان الشعب رؤوس القبائل من ربيعة ومضر والاوس والخزرج وان القبيلة كبكر من ربيعة وتميم من مضر وان العمارة بفتح العين كنزار من بكر ودارم من تميم وان البطن كبني غالب ولؤي من قريش وان الفخذ كبني هاشم وبني امية من بني لوي وان الفصيلة كبني العباس وبني هاشم وبعد ذلك العشيرة وانه ليس بعدها شيء يوصف وعن الحسن الشعوب وبنو الاب والقبائل فوق ذلك وعن مجاهد الشعوب النسب البعيد والقبائل ودون ذلك وعن الكلبي الشعوب القبائل المرتفعة الناس تميم وبكر واسيد وقيس والقبائل دون ذلك نحو نهشل وبني عبدالله بن حازم وقيل الشعب بطون العجم والقبائل بطون العرب والاسباط من بني اسرائيل وقيل الشعب الذين لا ينتسبون الى احد بل ينتسبون الى المدائن والقرى والقبائل الذين ينتسبون الى آبائهم* { لِتَعَارَفُواْ } ليعرف بعضكم بعضها في قرب النسب وبعده لا للتفاخر والاصل (لتتعارفوا) بتائين حذفت احداهما كما قرئ بهما وكما قرئ بالادغام وقرئ (لتتعرفوا) بتائين وعدم الالف وبتشديد الراء وقرأ ابن عباس (لتعرفوا) بفتح التاء وكسر الراء الخفيفة وفتح همزة ان تعليلا لمحذوف كما يأتي ومعنى قراءته لتعلموا كيف تتناسبون* { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } استئناف لبيان الخصلة التي يفضل بها الانسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله وقرئ بالفتح كما مر اي نهيناكم عن التفاخر بالانتساب لأن أكرمك عند الله أتقاكم قال صلى الله عليه وسلم "من سره ان يكون أكرم الناس فليتق الله" وفي الحديث "أوحى الله اليّ أن تواضعوا حتى لا يفتخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" وقال "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم انما هم فحم جهنم أو ليكونن على الله أهون من الجعل ان الله أَذهب عنكم غيبة الجاهلية وفخرها انما هو مؤمن تقي او فاجر شقي كلكم بنوا آدم وآدم من تراب" والغيبة بالمهملة وعاء الثياب استعير للكفر وعبادة الاصنام وقيل المراد به الفخر وعن ابن عمر وابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة على راحلته يستلم الاركان بحجته وهي عصى محنية الرأس كالصولجان ولما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطبهم فحمد الله واثنى عليه وقال "الحمد لله الذي اذهب عنكم غيبة الجاهلية وتكبرها يا أَيها الناس إِنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم قرأ الآية ثم قال أقول قولي هذا واستغفر الله" وعن الحسن الكرم التقي والحسب المال وعن ابن عباس كرم الدنيا وكرم الآخرة التقي وسئل صلى الله عليه وسلم اي الناس أكرم قال "أكرمكم عند الله أَتقاكم قالوا ليس عن هذا نسألك قال أكرم الناس يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب قالوا نعم قال فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إِذا فقهوا" بضم القاف على المشهور وروي كسرها ومعناه اتعظوا* { إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ } بظاهركم يعلم انسابكم وغيرها* { خَبِيرٌ } بباطنكم قيل المتقي هو العالم بالله المواظب لبابه المتقرب الى جنابه وقيل التقوي أن يجتنب العبد المناهي ويأتي بالاوامر والفضائل ولا يغتر ولا يأمن فان اتفق أن يرتكب منهياً تاب في الحال وان أخر التوبة فليس بمتق لان المتقي لا يرتكب نهياً وهو مع ذلك خائف لا يشتغل بغير الله وان التفت لحظة الى نفسه وأهله وولده جعل ذلك ذنبه واستغفر