التفاسير

< >
عرض

قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا } قال مجاهد نزلت في بني أسد وهي قبيلة كانت تجاور المدينة أظهروا الاسلام وفي الباطن انما يريدون المغانم وهم منافقون وقيل مشركون أسروا الشرك قبل قدوم نفر منهم في سنة مجدبة فأظهروا الاسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر فسدوا طريق المدينة بالقذورات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون ويقولون أتتك العرب بأنفسها على رواحلهم جئناك بالاثقال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ويقولون اعطنا الصدقة فنزلت الآية وقيل نزلت في الاعراب مذكورين في سورة الفتح وهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار يقولون آمنا ليؤمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا للحديبية تخلفوا عنها فنزل { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا } أي صدقنا بقلوبنا وهو الايمان الكامل وهو الذي وافق اللسان العمل* { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أي لم تصدقوا بقلوبكم*
{ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } أي أقررنا بألسنتنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي*
{ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ايمان القلب الوفاء بالقول والعمل وهو حقيقة الايمان الكامل وهو متوقع منهم بدليل { لَمَّا } والله عالم بما يكون وما كان وذلك هو الاسلام في قوله تعالى
{ { إن الدين عند الله الإسلام } وقوله صلى الله عليه وسلم "بني الإِسلام على خمس" والاسلام الناقص مجرد الاقرار وهو الذي في الآية ولكن دل لفظاً { لَمَّا } على صدور الاسلام الكامل منهم "وعن سعد بن أبى وقاص أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس ولم يعط رجل منهم هو أعجبهم اليّ فقلت مالك عن فلان والله اني لأراه مؤمناً فقال اني لاأعطي الرجل وغيره أحب اليّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه" وقيل الايمان هو التصديق مع الثقة وطمأنينة النفس والاسلام الدخول في السلم والخروج من أن يكون حرباً للمؤمنين باظهار الشهادتين فما واطأ فيه القلب اللسان ايمان وما لم يواطئه فيه اسلام وعندنا الاسلام والايمان سواء والمسلم والمؤمن سواء وبسط ذلك في الفقه وقد قيل الاسلام العمل الصالح والايمان التصديق والاقرار ونظم الكلام أن يقول قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا وأن يقول (قل لم تؤمنوا) ولكن أسلمتم وعدل عن ذلك الى هذا النظم ليفيد تكذيب دعواهم أولا دفع ما انتحلوه ويحترز من النهي عن القول بالايمان ومن الجزم باسلامهم وقد فقط شرط اعتباره شرعاً ولو قال ولكن أسلمتم لكان تسليماً لهم واعتداداً بقولهم وهو غير معتد به ولم يصرح بتكذيبهم مراعاة لحسن الادب ورفقاً وتعليماً اذ لم يقل كذبتم بل قال لم تؤمنوا وقوله { { أولئك هم الصادقون } تعريض بأن هؤلاء كاذبون وكثيراً ما يكون التعريض أبلغ من التصريح فقوله (لم تؤمنوا) تكذيب وقوله { وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ } توقية لما أضمروه أن يقولوه* { وَإِن تُطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ } قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً سراً وعلانية أي أخلصتم له الايمان وتركتم النفاق وهذا فتح لباب التوبة* { لاَ يَلِتْكُم } لا ينقصكم ولا يظلمكم كأنه السلطان حقه (ليته أخذه) ونقصه وعن أم هشام السلولية انها قالت: الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات ولا تصمه الأصوات وذلك لغة الحجاز.
وقرأ أبو عمرو (لا يألتكم) بألف أو همزة بعد الياء وكسر اللام من (آلته) حقه (بالته) وهو لغة غطفان والمعنى واحد* { مِّنْ أَعْمَالِكُمْ } من أجور أعمالكم { شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ } لما فرط من المطيعين* { رَّحِيمٌ } بالتفضل عليهم