التفاسير

< >
عرض

وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
-النجم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَن } مخففة. { لَيْسَ لِلإِنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى } أي عمل وهذا مما في صحف موسى وابراهيم ونسخ بدليل الحقنا بهم ذرياتهم فدخلوا الجنة بصلاح الاباء "وان امرأة ماتت فقال ابنها اينفعها يا رسول الله ان تصدقت عليها قال نعم" وفي رواية "ان أُمي افلتت ولو تكلمت لتصدقت فهل لها اجر إن تصدقت عليها قال نعم" وروي "إِن الله يجعل الأبناء في ميزان الآباء ويشفع الإِبن في الأَب والأَب في الإِبن" قال الله { آباءكم وابناءكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } }. وورد في الحديث ان الصدقة والحج والدعاء والقراءة تنفع الميت وادعى بعضهم الاجماع على نفع الصدقة والدعاء وقضاء الدين وتنفع حجة الفرض وكذا حج النافلة عند الشافعي والصحيح نفع الصوم الواجب عليه وفي الباب الخامس والعشرين من الوصايا من التاج انه لا خلاف في الصدقة على الميت تنفعه والصدقة عن الحي تنفعه واختلف في عمل الحي عن الميت كصيام وصلاة وطواف فقال الاكثر لا يجوز عنه ولا عن ميت وكان عطاء يقول لابنه ولمولاه قم فطف عني وقيل ان قراءة القرآن تنفع الميت الى اربعين من جيرانه انتهى.
والمشهور عن الشافعي ان قراءة القرآن لا يصله ثوابها وقال جماعة من اصحابه تصله وهو قول أحمد واما الصلوات وسائر التطوع فلا يصله عند الشافعي والجمهور وقال أحمد يصله ثواب الجميع واما ما روي ان امرأة رفعب صبيا فقالت يا رسول الله: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر فلا دليل فيه لأن المراد ان لها اجر قيامها به في الحج وقيل ان الأية مخصوصة بالكفر واما المؤمن فله ما سعى غيره قال القرطبي وكثير من الاحاديث يدل على هذا القول وان المؤمن يصل اليه ثواب العلم الصالح من غيره فالمراد بالانسان الكافر ليس له إلا ما عمل فيثاب عليه في الدنيا بالرزق لصحة وغيرهما واعطي عبد الله بن أُبيّ بن سلول العباس قميصاً ألبسه إياه فلما مات ارسل اليه صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه فلم تبق له في الآخرة حسنة وقيل ليس للانسان إلا ما سعى على جهة العدل.
أما من باب الفضل فيزيده الله وفي الحديث
"من مات وعليه صوم صام عنه وليه" "وقال للذي حج عن غيره حج لنفسك ثم حج عن غيرك" "وقال يدخل الله الجنة الموصى والنافذ والحاج" "وقد اعتكفت عائشة عن اخيها عبد الرحمن واعتقت عنه" "وقال سعد للنبي صلى الله عليه وسلم إن امي توفيت أفأتصدق عنها قال: نعم، قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" .
وجعلت جدة عمة عبد الله بن ابي بكر على نفسها المشي إلى مسجد قبا وماتت فافتى ابن عباس ابنها ان يمشي عنها وقيل الانسان ابو جهل وقيل عقبة لن ابي معيط وقيل الوليد بن المغيرة وقيل اخبار عن شرع من قبلنا ابراهيم وموسى ودل شرعنا ان للانسان ما سعى وما سعى له وقيل الانسان بسعيه في الخير وحسن صحبته وعشرته اكتسب الاصحاب واسدى لهم الخير وتودد اليهم فصار ثواب منهم له بعد موته من سعيه وقيل: الانسان في الآية الحي دون الميت.
وقال الزمخشري أما ان سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعي نفسه وهو ان يكون مؤمنا مصدقا وكذلك الاضعاف الوارد في الحديث ان الصدقة والحج عن الميت أو الحي الاضعاف كان سعي غيرها كانه سعي نفسه لكونه تابعا له وقائما بقيامه واما ان سعي غيره لا ينفعه اذا عمله لنفسه ولكن اذا نواه له فهو في حكم الشرع كالنائب والوكيل القائم مقامه قبل والصحيح وعليه الجمهور ان الآية عامة مخصوصة بما تقدم من الأجوبة وشهر عن مالك ان ثواب القراءة لا يصل الميت ونقل عن جماعة من الحنفية وعن أحمد القراءة على القبر بدعة وصحح ابن قطان وصول ثواب القراءة للميت قريبا أو اجنبيا قال كما ينفعه الصدقة والدعاء والاستغفار بالاجماع وقال القاضي حسين الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر أي عنده جائز كالاستئجار للاذان وتعليم القرآن.
وعندنا معشر الاباضية لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك ولا ينبغي لمعطيها إلا ان لم يجد احياء ذلك إلا بها وقيل لا ثواب للمستأجر أو ميتة وقيل لميته ثواب ان اعقب القراءة بالدعاء للميت فانه يلحقه ثواب الدعاء فقط لان الدعاء بعد القراءة أقرب إجابة واكثر بركة وقيل للميت ثواب القراءة إن جعله القارىء له بعد القراءة ونفع الميت بالدعاء موقف على الاجابة.
واطلق القوم اجابة الدعاء للميت لسعة الرحمة وعن الرافعي والنووي يستوي في الصدقة والدعاء الوارث والاجنبي ولا ينقص من اجر المتصدق والداعي وغيرهما شيء ولو نواه لغيره ومن ذلك توقيف المصحف وغيره والتضحية لغيره وقيل لا تجوز التضحية عن الغير إلا باذنه فلا يضحي عن الميت إلا ان اوصى وروي ان عليا أو غيره من الصحابة ضحى عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وضحى ابن السراج عنه صلى الله عليه وسلم سبعين اضحية.
واما اهداء القراءة له فانكره جماعة لان الصحابة لم يفعله احدهم وهو بدعة واستحبه بعضهم وعن بعض انه غني عن ذلك فان له اجر كل من عمل من امته من غير ان ينقص من اجره شيء وكذا الشيخ له مثل اجر تلميذه وتلميذ تلميذه وهكذا وكذا كان علّم أحدا شيئا له اجر الشيء.