التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُم تَفَسَّحُوا } توسعوا وقرىء تفاسحوا. { فِى المَجَالِسِ فَافْسَحُوا } مجلس رسول الله كانوا يتضامنون فيه للقرب منه صلى الله عليه وسلم والسماع والنظر اليه ويلحق به مجلس غيره أو المراد بالمجلس الجنس ويدل له قراءة عاصم في المجالس ولكن يجوز في قراءته أيضا ان يكون المراد مجالسه صلى الله عليه وسلم فإنها متعددة ومجالس الناس فإن لكل واحد مجلسا قال زيد بن اسلم وقتادة: نزلت الآية بسبب تضايق الناس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي الرجل له الحق والسن والقدم في الاسلام فلا يجد مكانا.
وقيل
"انه صلى الله عليه وسلم يحب المهاجرين والانصار فجاء ناس منهم يوما وقد سبقوا الى المجلس فسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليهم وسلموا على المؤمنين فردوا عليهم وقاموا على ارجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يوسعوا فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال قم يا فلان قم يا فلان بقدر النفر الآتين من أهل بدر فشق ذلك على من قام من مجلسه حتى عرف النبي صلى الله عليه سلم الكراهة في وجههم" فنزلت الآية وقيل نزلت في ثابت من قيس وقد مر في الحجرات وقيل كان ذلك في الصفة من مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والممكان ضيق ونسخت الآية القيام من مكان ليقعد فيه غير القائم منه وفي الحديث "لايقم احد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح لكم" وقام احد في مجلسه صلى الله عليه وسلم لغيره فذهب الغير يجلس فيه فنهاه صلى الله عليه وسلم وقيل: إلا للعالم والامام والوالد.
وكذا القيام على الارجل اجلالا
"فقد قال صلى الله عليه وسلم حين اقبل سعد قوموا إلى سيدكم" ويجب على المعظم ان لا يحب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "من احب ان يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار" وفي الاحتجاج بقضية سعد قيل نظر لانها اختفت بها قرائن سوغت ذلك منها ان المراد امسوا اليه وسلموا عليه وقيل: المجلس مجلس القتال وهي مراكز الغزاة سماها مجالس ولا جلوس فيها كقوله مقاعد للقتال وكأنه سمي الثبوت بالارجل على الارض باسم الثبوت عليها بالمقاعد كأن الرجل يأتي الصف فيقول تفسحوا فيأبون لحرصهم على الشهادة فربما كان شديد البأس والحجة دعاية اليه ويقاس عليه مجلس العلم والقرآن والذكر ومن تفسح لغير متول كمن قطع عرى الاسلام إلا ان خاف فتنة.
ومن وسع على عباد الله انواع الخير وسع له في الدنيا والآخرة كما قال { يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ } وقيل يفسح لكم في مجالس الجنة والجزم في جواب الامر وقرىء بفتح لام المجلس على انه مصدر ميمي أي في الجلوس.
{ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا } ارتفعوا عن مواضعكم لاخوانكم وحذف فاعل قيل في الموضعين لعدم تعلق الغرض به قاله ابن هشام { فَانشُزُوا } وذلك توكيد لما قبله أو المراد إذا قيل انهضوا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امرتم بالنهوض ولا تضجروه وقال الكلبي: اراد النهوض للصلاة والجهاد وافعال الخير وقيل كانوا يتثاقلون في الصلاة في الجماعة إذا نودوا إليها فنزلت الآية والمشهور الاول وفي الحديث
"لا يحل للرجل ان يفرق بين اثنين إلا باذنهما ولعن الله من قعد وسط الحلقة" وقرأ غير نافع وابن عامر وعاصم في الآية بكسر الشينين.
{ يَرْفَعِ } بالجزم في جواب الامر { اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنكُمْ } بالطاعة في التفسح وغيره درجة في الجنة { وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ } قيل ولذلك امر بالتفسح لهم وعن جمعه كلا الصنفين يرفع درجات وفضل العالم يعلم من خارج ولذلك جاء التفسح عاماً لهم ولغيرهم وعن ابن مسعود وغيره تم الكلام في منكم وخص العلماء بالدرجات ونصب الذين بمحذوف والمؤمن مطلقا يرفع بالذكر وحسن الثناء والنصر.
{ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من اكتساب العلم والعمل وقرىء بالمثناة تحت { خَبِيرٌ } فيجازيكم والعالم لجمعه بين العلم الذي هو سبب العمل ويصححه وبين العمل افضل من العابد في علم قليل حتى ان بعضا اجازوا الاقتداء بالعالم في الفعل كما يقتدي به في القول وفي الحديث
"إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير اصاب ارضا فطائفة منها قبلت الماء فاكثرت العشب وطائفة امسكت الماء للناس شربوا وسقوا وزرعوا وطائفة قيعان لم تمسك ولم تنبت" .
وقرأ ابن مسعود هذه الآية وقال يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبنكم في العلم وفي الحديث "بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين خطو الجواد المضمر سبعين سنة ويشفع يوم القيامة ثلاثة: الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء" فاعظم بمرتبة واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس: خير سليمان بين العلم والمال والملك فاختار العلم فاعطي المال والملك معه واوحى الله الى ابراهيم يا ابراهيم اني عليم احب كل عليم.
وعن حكيم: ليت شعري أي شيء ادرك من فاته العلم واي شيء فات من ادرك العلم وعن الاحنف: كاد العلماء يكونون اربابا وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ما يصير وعن الزهري العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال.
قال ابن مسعود: العالم افضل من المجاهد وعن بعضهم افضل الناس العلماء والشهداء أما العلماء فاخبروا بما جاءت به الرسل واما الشهداء فانهم قاتلوا على ما جاءت به الرسل وفي الحديث:
"فضل العالم احب من فضل العابد لانه اورع عن محارم الله وخير دينكم الورع" قال بعضهم: موت العالم احب الى ابليس من موت الف عابد قال ابن عباس: معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر. وذهب ابي بن كعب ليركب فامسك له ابن عباس بالركاب فقال له: مه يا ابن اخي فقال له ابن عباس: إن الله يحب ان يعظم حق اخيار المسلمين وروي انه قال امرنا ان نفعل بالعلماء هكذا وقيل له أبي يده وقال: هكذا أمرنا ان نفعل بأهل البيت وذكروا ان النظر في وجه الفقيه عبادة وعن عمار ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق الامام العدل وذو الشبيه في الاسلام ومعلم الخير والعلماء وورثة الانبياء وفي الحديث "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" .
"وقدم رجل من دمشق الى ابي الدرداء في المدينة فقال: ما اقدمك يا أخي قال: حديث سمعته عنك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما جئت إلا له قال: نعم قال ما جئت في تجارة قال نعم قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله له طريقا الى الجنة" وروي "إِن الملائكة لتضع أَجنحتها لطالبه" ووضعها كرفع الايدي في الدعاء منا، "ومر صلى الله عليه وسلم بمسجد بمجلسين مجلس دعاء ومجلس تعليم فقال كلاهما على خير ومجلس التعليم افضل انما بعثت معلما" وفي القناطر ذلك كله ببعض تغيير وزيادة وعن ابن ابي الدرداء ويل لمن لا يعلم مرة وويل لمن يعلم ولا يعمل مرتين وروي سبع مرات وفي الحديث "أَشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" وعن انس أن من لم يعمل بعلمه في النار ويتأذى اهل النار من نتنه.
وفي الحديث يقول الله للعالم:
"ما صنعت فيما اتيتك من العلم فيقول بينته وعملت به حتى مت فيقول كذبت بل اردت ان يقال فلان عالم فلان مصل وقد قيل ذلك اذهبوا الى النار" . وفي الحديث "من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس اليه فله النار ومن تعلم ليحدث الناس لم يرح رائحة الجنة" وفي القناطر كثير من ذلك.