التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الِّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } للفقراء قال جار الله: مستعار ممن له يدان والمعنى قيل نجواكم كقول عمر رضي الله عنه من افضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل اما حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم أي قبل حاجته وفي ذلك تعظيم لرسول الله صلى الله عليه سلم ونفع الفقراء والنهي عن الافراط وفي السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا قاله القاضي وهو مشكل اذا لم يتصدق ويسأل ويجاب بأنه لم يتفق للاغنياء مناجاة في مدة لقائه فقد قيل: ان ذلك لم يبق إلا ساعة ثم نسخه الآية بعدها وعليه الكلبي وقيل: بآية الزكاة وقيل: بقي عشر ليال وعليه مقاتل والآية وان اتصلت به تلاوة لم تتصل به نزولا وقيل الامر في ذلك للندب واتساع الوقت لكن لم يسأله الصحابة مراعاة القلوب الفقراء الذين لم يجدوا ما يتصدقون وذلك لم يفرض عليهم لقوله { فَإِن لَّمْ تَجِدُوا } الخ..
وقد قيل: إن هذه الصدقة لم تكن طاعة فرضاً ولا ندبا ولكن تعجيزا وكف لهم عن كثرة السؤال لما ضخروه لكف الفقير لفقره قال جار الله: والغني لشحه.اهـ وهذا الشح غير مضر لانهم امسكوا حيث يجوز الامساك ولو عرض لاحدهم سؤال لابد منه لتصدق وسأل وعن بعضهم وعليه مقاتل نزلت في الاغنياء يكثرون مناجاته وغلبوا الفقراء ومل رسول الله صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فامرهم بالصدقة تخفيفاً على نبيه فتركوا وفي هذا الامر ان الشيء إذا وجد بمشقة استعظم وإلا استحقر.
وعن مجاهد: لم يناجه إلا علي بن ابي طالب تصدق بدينار وناجاه وخطب علي بن ابي طالب في الكوفة وقال: يا أيها الناس ان في القرآن سورة فيها آية ما عمل بها احد قبلي ولا معي ولا يعمل بها بعدي فقيل ما هي قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عليه المسائل كره ذلك خيفة ان يجعل على امته فرضا ليس عليهم فنزل { يَا أَيُّهَا الِّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ.. } الآية فامسكوا عن كلامه وسؤاله ولم أكن أملك غير دينار فصرفته بعشرة دراهم ثم جعلت كلما اردت ان أسأل عن مسألة تصدقت بدرهم حتى انقضت فنسخت الآية بقوله أأشفقتم ان تقدموا... الآية.
قال الكلبي: تصدق به في عشر كلمات سألهن وروي انه لما نزلت الآية قالوا: لابد لنا من مناجاتك وان اموالنا لا تطيق ذلك ولما نزلت دعا عليا فقال: كم هذه الصدقة اتراها دينارا قال علي: لايطيقونه، قال: فنصف دينار، قال: لا يطيقونه، فقال: فكم؟ قال: شعيرة قال: انك لزهيد والشعيرة وزن حبة شعير من ذهب قال: الفخر قوله انك لزهيد معناه انك لقليل المال فقدرت على حسب حالك وما دعا عليا إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم ان ذلك يشق على الناس وعن علي ما عمل بها غيري وانا سبب الرخصة والتخفيف اذ نسخت.
وعن ابن عمر كان لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منهم كانت احب إليَّ من حمر النعم تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى وزعم جماعة ان الآية نسخت قبل العمل بها لكن استقر حكمها بالعزم عليه وعن ابن عباس وقتادة سبب نزولها ان قوما من شباب المؤمنين واغفالهم كثرت مناجاتهم له صلى الله عليه وسلم في غير جاحة وكان لا يرد احدا فنزلت الآية مشددة ورادعة لهم وظاهر بعض ان غير علي تصدق أيضاً وسأل { ذَلِكَ } أي التصدق والمفهوم من الكلام أو ذلك المذكور من الصدقة أو ذلك التقديم تقديم الصدقة.
{ خَيْرٌ لَّكُمْ } من عدمه أو المراد ان فيه نفعاً لكم { وَأَطْهَر } لذنوبكم ولنفوسكم من الريبة وحب المال وهذا تنديب. { فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والذي لايجد هو الفقير وهذا الانشاء دليل للوجوب على الاغنياء.