التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ } نعت قوما { بِاللهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ يُوَآدُّونَ } مفعول ثان ومعنى يوادون يودون فهو لموافقة المجرد والمودة المحبة أو المراد المفاعلة أي يودون.{ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ } ويودهم والمشرك لا يود مسلما إلا لتفريطه في الدين ولو تصلب فيه لم يحبه ولو تصلب ليستدرجه للكفر وعن الثوري قالوا: إنها نزلت فيمن يصحب السلطان روي ان عبدالعزيز بن رواد لقي المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وقرأها وقد وقعت الموادة بين بعض المسلمين والمشركين وانما قال: لا تجد على معنا لا تجد على سبيل شرعنا ورضانا فمهما وجدت من ذلك فعلى غير شرعنا ورضينا أو قال ذلك كناية عن التحريم بالمبالغة فيه حتى خيل ان من المحال ان تجد قوما مؤمنين يوادون المشركين أي حق ان يمتنع ذلك وتتصلوا في دين الله وتتباعدوا عن مخالطتهم أو ذلك على الحقيقة.
فان من والى مشركا ومات غير تائب هو غير مؤمن وذلك في غير محبة الضرورة الآية من قبل النفع وجهته فإن مخبولة في القلب بل محبته على شركه أو اختياره على المسلم أو نحو ذلك كنصحه لمحبة وارادة خير الآخرة والدنيا لهم وزاد ذلك تأكيدا بقوله { وَلَوْ كَانُوا } بـ"المحادون" { آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } الخ.
وعن الحسن: نزلت في المنافقين يوادون المشركين وعن الكلبي: في امر بلتعة بن حاطب إذ أنذر اهل مكة بالغزو وقيل: تلك المحبة منهى عنها مطلقا ولعلها التي تثبت بعد الواقعة كرها فيه لنفعه قال صلى الله عليه سلم:
"اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت { لا تَجِدُ قَوْماً }" الآية بل يجب على المسلمين ان يقصدوا المشركين بالقتال على الايمان وروي " ان الآية نزلت في ابي بكر رضي الله عنه حين سب ابوه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابو قحافة فصكه ابو بكر صكة سقط منها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أو فعلت قال: نعم فقال: لا تعد قال: والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته" .
وقيل: عن ابن مسعود "نزلت في ابي عبيدة بن الجراح قتل اباه الجراح يوم احد وفي ابي بكر دعا ابنه يوم بدر البراز وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني اكن في الدفعة الاولى فقال: متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك عندي بمنزلة سمعي وبصري" وفي مصعب بن عمير قتل اخاه عبيد بن عمير يوم احد وفي عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وهو قبل من عشيرته وفي علي وحمزة وابي عبيدة قتلوا عتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر كل قتل رجلا وعبارة بعض نزلت ابي عبيدة وقيل ابي بكر وقيل في مصعب وقيل في عمر وقيل في علي وحمزة وابي عبيدة.
{ أُوْلَئِكَ } الذين لا يوادون المشركين بل يوادون المؤمنين.{ كَتَبَ } اثبت { فِى قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ } وراسخة فيها حتى اتبعوه بالعمل وقيل: معنى كتب حكم لهم بالايمان وانما ذكر القلوب لانها موضعه.
{ وَأَيَّدَهُم } قواهم { بِرُوحٍ مِّنْهُ } أي بنصر منه لانه به يحيى أمرهم فهو كالروح له وقيل: بنور القلب ولطف منه حييت به قلوبهم وقيل: بالقرآن وقيل بجبرائيل وقيل الرحمة.
{ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ اللهُ عَنْهُم } بطاعتهم { وَرَضُوا عَنْهُ } بقضاء وقيل: بثوابه وإنما ذكر الرضى بعد ذكر الادخال لانه اعظم النعم واجل الرتب { أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ } جنده وانصاره يتبعون امره ويجتنبون نهيه.
{ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ } الفائزون بخير الدنيا والاخرة واضافة الحزب الى الله تعظيم عكس الاضافة للشيطان وقيل: معنى اولئك كتب الخ.. كتب في قلوب اوليائه سطوراً الاول التوحيد والثاني المعرفة والثالث الصدق والرابع الاستقامة والخامس الثقة والسادس الاعتماد والسابع التوكل وذلك فعل الله وأما فعل العبد فالاسلام وقيل الكتابة في القلب ما وهب لهم قيل: ان يخلقهم من الاصلاب ثم ابدى نورا في قلوبهم فكشف عنهم الغطاء حتى ابصروا وقيل: حياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور رضي الله عنهم بالاخلاص ورضوا عنه بجزيل ثوابه اولئك حزب الله هم الابدال واربع منهم الصديقون إلا ان حزب الله هم المفلحون والوارثون اسرار علومه المشرفون على معاني ابتدائهم إلى انتهائهم والحق ما تقدم.
وهذه السورة اخر نصف القرآن بعد السور وسورة الحديد أول النصف الثاني، اللهم بحق نبيك محمد علينا صلى الله عليه وسلم وحق السورة اخز النصارى ومن يوادهم من الموحدين وغلب المسلمين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.