التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٣
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ يُظَاِهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } أي إلى ما قالوا وفيما قالوا واللام على اصلها والمراد يعودون لما حرموه على انفسهم بلفظ الظهار بان يمسكوا المرأة وامساكها خلاف مقصود، الظهار من وصف المرأة بالتحريم فهم يريدون الوطىء والتلذذ والنظر فنزل القول منزلة للقول فيه كقوله عز وجل ونرثه ما يقول وقيل العود تدارك ما قالوا لأن المتدارك للقول عائد اليه يقال: عاد الغيث على ما افسد أي تداركه بالاصلاح وهم يتداركون القول أي يريدون اصلاح ما أفسدوا فذلك بالتكفير.
وقال الشافعي: العود السكوت عن الطلاق بعد الظهار وذلك انه طلق فقد تم ما شاع فيه من التحريم ولا كفارة عليه وان لم يطلق فكأنه ندم فليكفر ويمسكها وقد قال ابن عباس: العود الندم وقال ابو حنيفة: العود استباحة وطئها واستباحة النظر اليه واللمس وقال مالك: العود العزم على وطئها وقال الحسن وقتادة وطاووس والزهري: العود الجماع وقالوا: لا كفارة عليه حتى يطأها والطاهر ان العود الندم ولا يخفى ان ذلك كله مناقض لقول الظاهر وقال مجاهد: العود الاتيان بالظهار في الاسلام بعد قطع امور الجاهلية والكفارة تجب بنفس الظهار وقال ابو العالية والظاهرية: العود تكرير الظهار فما لم يكرر لاكفارة عليه وقيل: العود توكيد ما قال بالحلف.
قال ابن هشام: اللام متعلقة بيعودون وما مصدرية والمصدر مؤول باسم مفعول أي أو موصولة اسمية وقال أهل الظاهر: مصدرية والمصدر غير ما تأول وقال الاخفش: متعلقة بتحرير وما مصدرية أو اسم موصول ويرده ان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا في باب أما وإن المصدر لا يعمل فيما قبله ولو ظرفاً وان التحرير للقول والعود لا للقول فقط انتهى والجواب عن ذلك ظاهر.
{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي تخليصها من العبودية والرقبة الانسان اطلاق لاسم البعض على الكل والفاء زائدة في خبر الذين لشبهه باسم الشرط وتحرير خبر لمحذوف أي فوالجب تحرير أو كفارته تحريرا أو مبتدأ خبره محذوف أي فعليهم تحرير رقبة واجب عليهم والجملة خبر الذين وخبره هو تحرير على حذف مضاف أي حكم الذي يظاهرون أو لازمهم والمراد الرقبة المؤمنة حملا على رقبة القتل وهو قول الشافعية وقيل: الرقبة مطلقا وقيل: المسلمة أو اليهودية أو النصرانية وتجزي عندنا أم الولد لانها أمه.
ومن قال حرة لم تجوز عنده ويجزي المدبر قبل أجل التدبير وقيل: لا ولا يجري المكاتب لأنه حر عندنا وقيل: يجزي ما لم يؤد شيئا وقيل: ما لم يؤدا الكل وتجزى كل رقبة صغيرة أو كبيرة وقيل إلا المجنونة و المجذومة والبرصاء والعقلاء ولا فاقدة جارحة وان سناً واحدة ولا شلاء ولا ذات عسم ابطل جارحة وجازت زائدة اصبع أو سن ان لم يمنع انتفاعاً وذات قرع أو جرح أو اثر سوط أو قرح أو كي إن لم يؤد لفقد جارحة ولا يجزي جنين في بطن ولو ولد حيا ويصح ذو اربعة اشهر من يوم ولادته وقيل ذو شهرين ولزمت معتقه نفقته وزعم بعضهم ان الفاء المسببة ومن فوائدها الدلالة على وجوب تكرير التحرير بتكرير الظهار يعني كما انها في جواب الشرط كذلك فليست زائدة محضة وهو صحيح؟
{ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } من قبل ان يمس كل منهما الآخر بالجماع وان جامعها قيل التكفير حرمت عندنا كما تحرم ان كفر ولم يمسها حتى مضت اربعة اشهر وقيل: عليه الاستغفار ولا يعود حتى يكفر بدليل
"ان سلمة بن صخر البياضي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ظاهرت من امرأتي ثم ابصرت خلخالها في ليلة قمراء فواقعتها فقال له استغفر ولا تعد حتى تكفر" والحلف ايضا ان كفر كما لا يجزي وتلزمه الكفارة الواحدة عن الأئمة الاربعة.
والجمهور وقيل: كفارتان وكما يحرم الجماع يحرم جميع الاستمتاع عندنا وعند ابي حنيفة الشافعي وروي عنه انه يحرم الجماع فقط وان ظاهر مرارا منها لزمه تكفير واحدة ولو في مواضع عند مالك وقال الشافعي وابو حنيفة: لكل ظهار كفارة إلا ان كان في مجلس واحد واراد التأكيد الخلاف في المذهب وعن علي تلزمه كفارة واحدة في مقعد في شيء وكفارة لكل مقعد ظاهر فيه في شيء واحد وان اعتق بعض الرقبة ومس صح لان اعتاق البعض اعتاق للكل ومن زعم من قومنا غير اعتاق للكل الزمه اعتاق كلها قبل العود.
{ ذَلِكُمْ } الحكم بالكفارة والتعليم للاحكام. { تُوعَظُونَ بِهِ } لانه يدل على منع ارتكاب الجناية الموجبة للغرمة ويردع عنه.
{ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ } أي فالواجب صيام أو غير ذلك مما مر وكذا في الاطعام .
{ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وان افطر لغير عذر لزمه الاستئناف وان افطر لعذر فالصحيح عندنا وعند الشافعية انه يبني وليس هذا بأشد من رمضان إلا انه لا يفطر للسفر وان افطر نسيانا أو نسي النية أولا فقيل يعيد ما مضى والصحيح أنه يعيد ان نسي النية وانما ينوي لهما اولا وان جامع نهارا نسيانا فالخلف وان جامع نهارا عمدا استأنف أو ليلا عمدا استأنف عند أبي حنيفة ومالك خلافا لنا وللشافعية وان ايسر قيل: تمام الصوم اعتق ولا يجزي الصوم من عنده ما يعتق وقد نسبه أو لم يعلم به وقيل يجزي ان لم يعلم ويجزي الصوم من له رقبة يحتاج لخدمتها أو ثمنها يحتاج لنفقته أو نفقة عياله خلافا لمالك والاوزاعي وقال ابو حنيفة يجب عليه العتق ان و جد عين الرقبة ولو احتاج للخدمة.
{ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أن يصوم { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } من قبل ان يتماسا كذا نقول نحن والحنيفية حملا للمطلق على المقيد وعن ابي حنيفة لم يذكر الفبيلة اشارة الى انه ان وقع الجمع في خلال الاطعام لم يستأنف وقال مالك: ان اتراد التكفير بالاطعام جاز له الوطىء قبل الاطعام ويعد غير مستطيع من عجز عن الصوم لمرض أو كبر وشدة شهوة الجماع حتى لايصبر عند الشافعية مستدلين بما روي
"أَن ابن صخر البياضي قال: كنت اصيب من النساء مالا يصيب غيري كلما دخل رمضان خفت ان اصيب من امرأتي شيئا تتابع بي والتتابع اللحاج في الشر حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ الشهر.
فبينما هي تخدمني ذات ليلة انكشف لي شيء منها فنزوت أي وثبت عليها للجماع ولما اصبحت خرجت إلى قومي فاخبرتهم فقلت امشوا معي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لا والله، فاتيته فاخبرته وقلت له: أنا صابر لحكم الله فاحكم بما امر الله فقال: حرر رقبة فقلت والذي بعثك بالحق نبياً ما املك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي يعني رقبته قال: فصم شهرين متتابعين قلت: وهل اصبت الذي اصبت إلا من الصيام قال: فأطعم وأسقي من تمر ستين مسكينا قلت: والذي بعثك بالحق بشيرا لقد بتنا موحشين أي جائعين قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها اليك أي الصدقة فاطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وهو ستون صاعاً وكل انت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي وهم بنو بياضه بطن من زريق فقلت وجدت عندكم الضيق بسوء الرأي وعند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم وإنما يطعم المظاهر من غالب قوت البلد أو يكيل لكل مسكين مدا"
.
قال ابو هريرة: مد لكل مسكين في كفارة الظهار وكفارة اليمين وفدية رمضان وقد روي "أَنه صلى الله عليه وسلم أَعطى أوس بن الصامت خمسة عشر صاعا من تمر فقال: تصدق بها على ستين مسكينا" وقال ابو حنيفة: يعطى كل مسكين مدين وروى ابو يزيد المدني أن رجلا ظاهر ولم يستطيع الصوم فأمره صلى الله عليه وسلم ان يتصدق بثلاثين صاعاً من شعير على ستين مسكيناً.
لكن أبا حنيفة يرى من غير البر صاعا لكل مسكين والاطعام يكون غداء وعشاء وقيل: مرة ولا يجزى اطعام الواحد ستين مرة عندنا وعند الشافعي لظاهر الآية ولان ادخال السرور على ستين أولى منه على الواحد ويجزى عند أبي حنيفة لحصول دفع الحاجة وهو المقصود والمد رطل وثلث وان ظاهر من اربع نسوة بكلام واحد لزمه اربع كفارات فيما روي عن عمر بن الخطاب وواحدة عند ابي عبيدة وعامة اصحابنا وان فرق فاربع وعن ابن عباس من شاء بأهلته ان الله لم يجعل في الائمة ظهارا وقال الكوفيون لاظهار من الأمة إلا إن كانت زوجة وقال أبو عبيدة: الظهار لازم من الأمة سرية أو زوجة وإن امتنع المظاهر من التكفير فلامرأته أن ترافعه ويجبره القاضي ويحبسه ولا كفارة يجبر عليها ويحبس إلا هذا لأنه يضرها ترك التكفير ولامتناع من الاستمتاع قاله الزمخشري.
{ ذَلِكَ } البيان للاحكام أو ذلك التخفيف في الكفارة وهو مبتدأ محذوف الخبر أي مفروض أو ثابت أو مفعول لمحذوف أي فرضنا ذلك أو اثبتناه { لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ } في قبول الشريعة ورفض أمور الجاهلية { وَتِلْكَ } الاحكام { حُدُودُ اللهِ } لا يجوز تعديها { وَلِلكَافِرِينَ } بها { عَذَابٌ أَلِيمٌ } ولا يضره كفرهم.