التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَافِى السَّمَٰوَاتِ وَمَافِى الأَرْضِ } تفصيلا واجمالا { مَايَكُونَ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ } من صلة في أسم الكون وما نافية أو للاستفهام الانكاري والخبر ما بعد إلا أو الكون تام وما بعد إلا حال واستغنى في الربط بضمير المضاف اليه والنجوى مؤنث مجازا ظاهر ولذلك ذكر الفعل وايضاً قد فصل أو لان الاصل شيء من نجوى فتكون من غير زائدة وقرىء بالمثناة فوق والنجوى التناجي إما أن تكون مضافة لثلاثة أو موصوفة بها على تأويلها بمتناجين أو على تقدير مضاف أي من أهل نجوى فيكون ثلاثة نعتا للاهل أو جعلوا نجوى في انفسهم مبالغة وعليهما فعدم التنوين لالف التأنيث واشتقاق النجوى من النجوة وهي ما ارتفع من الارض فإن السر مرفوع الى الذهن يعسر الاطلاع عليه.
{ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ } شاهد عالم بنجواهم أي ما يتناجون في حال من الاحوال إلا والله خبير { وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ } هذا عطف على معمولين وهما ثلاثة وقوله رابعهم لعاملين وهما يكون ونجوى وان عطفنا خمسة على نجوى كان كذلك ولكن احد العامين حينئذ هو من وكان العطف حينئذ على معمولي عامل وهو يكون لان من زائدة ولكن لا بد من تقدير مضاف على هذا الاخير ولعل مانع العطف على معمولي عاملين يقول بهذا الاخير.
وقرأ ابن ابي عبلة بنصب ثلاثة وخمسة على الحالية باضمار يتناجون للادلة نجوى عليه أو على تأويل نجوى بمتناجين وصاحب الحال الضمير المستتر في متناجين وخصص العددين الثلاثة أو الخمسة إما لأن قوما من المنافقين تخالفوا للتناجي مغاءطه للمؤمنين على هذين العديين ثلاثة وخمسة أي ما يتناجى منهم ثلاثة ولا أربعة كما ترونهم إلا وهو يسمعهم كما يسمع الرابع منهم إذا تناجى ثلاثة والخامس إذا تناجى اربعة فهو كالرابع والخامس وهذا معنى الآية.
وقيل: تناجوا ثلاثة وتناجوا اربعة لا غير والرابع والخامس الله وقد روي عن ابن عباس انها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن امية تحدثوا فقال احدهم اترى ان الله يعلم ما نقول فقال الآخر يعلم بعضاً وقال الثالث ان علم بعضا علم كلاً وقد صدق لان من علم بعضا بلا سبب علم الكل وأما لانه قصد ان يذكر ما جرت به العادة من ان المتخالين للشورى ليسوا بكل احد وانماهم طائفة مجتباه من أولى النهى والاحلام واول عددهم الاثنان فصاعدا الى خمسة إلى ستة الى ما اقتضته الحكمة.
كما ترك عمر الامامة شورى بين الستة وقد ذكر الاكثر والاقل بقوله { وَلا أَدْنَى } أقل { مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ } بالعلم والقدرة أو خص الثلاثة لانها اقل ما يتم التشاور اثنان كالخصمين ويرجعان لرأي الثالث ولا بد لكل مشاورة من واحد يكون حكما فيها وذكر خمسة لانها اول فرد بعد الثلاثة وقيل: خص الثلاثة والخمسة لان الفرد اشرف من الزوج وفي مصحف ابن مسعود إلا الله رابعهم ولا اربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا تناجوا.
وقرأ يعقوب ولا اكثر بالرفع عطفا على محل نجوى أو محل لا ادنى أن جعلت لا في أدنى لنفي الجنس وأدنى على رفع اكثر يجوز عطفه جراً ورفعا وكون لا لنفي الجنس ويجوز رفعهما على الابتداء وفتح اكثر جر وكذا الفتح المقدر في اذني أو نصب اما اكثر فعطف على ادنى وما ادنى فعلى انه اسم لا العاملة عمل ان وهو شبيه بالمضاف أو الفتح في لا اكثر للبناء على ان لا عملت عمل ان وقرىء اكبر بالباء الموحدة.
{ أَيْنَمَا كَانُوا } لأن ذاته تقتضي العلم لا بواسطة صماخ أو قرب مكان فضلا عن ان يتفاوت عنده الاضمار والاسرار والجهر واين شرطية متعلقة بجوابها المحذوف. { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم } يوم القيامة وقرىء باسكان النون وتخفيف الباء.
{ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ0أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ } وقرأ حمزة قيل ويعقوب ينتجون بفتح الياء واسكان النون بعدها تاء مفتوحة وضم الجيم ليفتعل من النجوى.
{ بِالإِثْمِ وَالعِدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ } أي بما هو اثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس نزلت في اليهود والمنافقون يتناجون ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فحزن المؤمنون لذلك وقالوا ما نراهم إلا وقد بلغهم عن اخواننا الذين غزوا قول أو هزيمة ولما طال ذلك وكثرت شكواهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم ان لا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا وقيل معصية الرسول عودهم للتناجي وقرأ حمزة بكسر العين وقرىء ومعصية معصيات الرسول اللهم بحقك يا من احب هذه الامة حتى غار عليهم في التناجي اغفر لي ولشيخي ووالدي والمسلمين.
{ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيُّوكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِه اللهُ } هذا خاص باليهود إذا مروا عليه صلى الله عليه وسلم قالوا "السام عليك" أي الموت دعاء وتمن لموته وكذا يقولون للمؤمنين ويردون عليهم على حد السلام فاتاه جبريل فقال ليسوا يقولون ذلك على وجه التحية فقال لاصحابه
"إذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم أي السام علينا وعليكم" أي كل يموت أو عليكم ما قلتم والله يقول وسلام على عباده الذين اصطفى، ويا أيها الرسول ويا أيها النبي والظاهر انه لا خصوصية لليهود بل هم يقولون ذلك والمنافقون يقولون عم صباحا وعموا صباحا وهو تحية الجاهلية.
قالت عائشة:
"دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقلت عليكم السام واللعنة فقال: مهلا يا عائشة ان الله يحب الرفق في الامر كله فقلت: يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا قال: قد قلت وعليكم" وفي رواية "السام عليكم ولعنكم الله وعضب عليكم فقال: يا عائشة عليك بالفرق واياك والعنف والفحش قالت: أولم تسمع ما قالوا قال لو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في" ، وعامة المحدثين يقولون إذا سلم كتابي فقل وعليك بالواو وقال سفيان بن عيينة بغير واو ليرد عليه ما قال دون ان يجمع نفسه معه.
{ وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلا } أي هلا { يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ } من الطعن فيه وانكار نبوته السام وغير ذلك لو كان نبياً لعذبنا باقوالنا فيه ومعنى في انفسهم في قلوبهم والقول يطلق مجازاً على ما في القلب وزعم بعض أنه حقيقة وقيل المعنى فهما بينهما اذا خلوا عنه.
{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } فامرهم مؤخر اليها. { يَصْلَوْنَهَا } يدخلونها { فَبِئْسَ المَصِيرُ } المخصوص بالذم مقدر أي جهنم أو هي.