التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
-الحشر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ هَوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } روي انه صلى الله عليه وسلم صالح بني النضير لا له ولا عليه ولما ظهر في بدر قالوا: إنه المبعوث في التوراة انه لا ترد له راية ولما هزم المؤمنون يوم أحد ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الاشرف في اربعين راكباً إلى مكة فحالفوا قريشا ابا سفيان وغيره عليه عند الكعبة فأمر صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة الانصاري فقتل كعباً غيلة وهو اخوه من الرضاع ثم صبحهم بالكتائب وهو على حمار مخطوم بليف.
فقال: اخرجوا من المدينة فقالوا: الموت احب الينا من ذلك فتنادوا بالحرب وقيل طلبوا الامهال عشرة أيام ليتجهزوا للخروج فقال عبد الله بن ابي المنافق واصحابه لا تخرجوا فإن قاتلوكم فنحن معكم ولئن اخرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الازقة وحضوها فحاصرهم احدى وعشرين ليلة فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على ان يحمل كل اهل ثلاثة ابيات على بعير ما شاءوا من متاعهم فخرجوا الى اريحا واذرعات من الشام الا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن اخطب فانهم لحقوا بخيبر ولحق طائفة بالحيرة.
وروي انهم تحالفوا في استار الكعبة كعب في اربعين وابو سفيان في اربعين واخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقتل كعب وقتل واصبح وأمر الناس بالمسير الى بني النضير بقرية يقال لها زهر فوجدوهم ينوحون على كعب فقالوا: يا محمد واعية على واعية وباكية على باكية قال: نعم قالوا: ذرنا بك ثم افعل فقال: اخرجوا من المدينة فقالوا: الموت احب الينا إلى آخر ما مر آنفا.
وروي انهم ارسلوا اليه بعد التحصين المذكور ليغدروا وان اخرج في ثلاثين ونخرج في ثلاثين فان صدقوك آمنا ففعلوا وقال يهودي: كيف تقتلونه ومعه ثلاثون كل يحب ان يموت قبله لكن ارسلوا اليه كيف نفهم ونحن في ستين ولكن نخرج في ثلاثة وتخرج في ثلاثة فخرجوا في ثلاثة من علمائهم معهم الخناجر فارسلت يهودية منه الى اخ لها مسلم من الانصار بذلك فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم سريعاً قبل ان يصله اليهم فرجع وحاصرهم من الغد احدى وعشرين ليلة فطلبوا الصلح كما مر.
وروي انه صالحهم على الجلاء ولهم ما قلت الابل إلا السلاح وعن ابن عباس: على ان يحمل اهل كل بيت على بعير ما شاءوا وقيل لكل ثلاثة نفر بعير وسقاء وذلك بعد مرجعه من أحد وأما فتح قريظة فبعد مرجعه من الاحزاب وبينهما سنتان قاله ابن اسحاق وهو في زمان مالك.
مسألة: ذكرني هذا الموضع قصة جرت لي في زمان الطلب وهي ان الشيخ اسماعيل ذكر في قناطره ما نصه وعن محمد بن كعب القرظي قال سمعت ابن عباس يقول: والله لربما مررت بالآية من كتاب الله عز وجل في جوف الليل فلا اعرف فيمن انزلت فآخذ ثوبي ثم آتى المسجد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقظ الرجل منهم وأسأله فيمن نزلت آية كذا فان لم أجد عند واحد منهم أتيت آخر كذلك حتى أمُر عليهم جميعا...
وكتب الكاتب القرطي بالطاء والمثناة التحية وحشى عليه بعض وقال: انه منسوب الى قرطبة بضم القاف والطاء بلد بالمغرب وكتبت على هذه الحاشية ما نصه قوله منسوب الى قرطبة الخ.. هو من خرافات جهال العصر وهو باطل بل القرظي نسب الى بطن من بني كلاب وأما الذي هو نسب الى قرطبة فهو القرطبي صاحب مختار الصحاح وغيره وقرطبة بلد بالاندلس تعلم فيها الشيخ يوسف بن ابراهيم والاندلس لم يفتح إلا بعد زمان ابن عباس.
وهذه الحاشية ابطصلت بها ادعاء نسبة القرطبي بالطاء وبدون الموحدة إلى قرطبة بالطاء والموحدة واوضحت بها ان النسبة الى قرطبة ان يقال القرطبي بالطاء والموحدة هذا مقتضى الحاشية التي اثبت مع ما ذكرت من تأخير فتح الاندلس ولم اتعرض الى صحة نسخة الكاتب ولا لفسادها ولو كانت فاسدة لان الصواب القرظي بالمشالة فالمثناة التحية نسب الى قريظة بالمشالة وهو محمد بن كعب المذكور في القواعد ثم كتب عليها كاتب مانصه لعله القرظي بالمشالة ثم اني لما علمت ان المحشي هو العلامة الحاج يوسف بن حمو جررت القلم على قولي هو من خرافات جهال العصر فظن من ظن لقلة الفهم ما ظن ان قولي قوم من كلاب تفسير القرطبي بالمشالة.
{ لأَوَّلِ الحَشْرِ } متعلق باخراج واللام للتوقيت كقولك كتبته لكذا ليلة أي عند أول الحشر وهذا أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من اخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب الى الشام وأخر حشرهم اجلاء عمر اياهم من خيبر الى الشام وقيل: اخر حشرهم يوم القيامة لان المحشر بالشام.
وعن عكرمة من شك ان الحشر بالشام فليقرأ هذه الآية وقيل آخره نار تحشرهم من المشرق الى المغرب تبيت حيث باتوا وتقيل حيث قالوا وقيل: معناه اخراجهم من ديارهم لاول ما حشر لقتالهم لانه أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله على سيدنا محمد.
{ مَاظَنَنتُمْ } أيها المؤمنون { أَن يَخْرُجُوا } معزتهم ومنعتهم اذ هم أهل حصون وعقار ونخل كثيرة وعدد وعدة { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ } أي من بأسه وقد الخبر وهو مانعة على المبتدأ وهو حصون دلالة على فرط وثوقهم بحصانتها ومنها اياهم واكد بأن وجعل خبرها جملة اسمية دلالة على اعتقادهم انهم في عزة لا تستطاع وليس ذلك كله في قولك وظنوا ان حصونهم تمنعهم ويجوز كون ما نعتهم خبر ان وحصونهم فاعل ما نعتهم وفي الحديث:
"لان عشت لاخرجن اليهود إن شاء الله من جزيرة العرب حتى لا يبقى فيها إلا مسلم" فقبض قبل ان يفعل وقد امر باخراجهم الناس.
{ فَأَتَاهُمُ اللهُ } أي عذابه وهو الرعب والاضطرار الى الجلاء وقتل رئيسهم كعب بن الاشرف وذلك مما اضعفهم وسلبهم الامن، والهمم ان يوافقوا المؤمنين في تخريب البيوت وثبط المنافقين وقيل: الضمير للمؤمنين أي اتاهم نصر الله وقرىء بالمد أي اتاهم عذابه أو نصره { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } لم يخطر ببالهم لقوة وثوقهم.
{ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } ارسخ فيها الخوف الذي يملأ القلب وقرىء بضم العين قبل وذلك بقتل كعب { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } لينقلوا ما استحسنوا من خشبها وغيرها وقيل: ينقضون السقف ويثقبون الجدار أو يهدمون ما استطاعوا لئلا يسكنها المؤمنون وقيل: سدوا الازقة بالخشب والحجارة وخربها ايضا بسوء رأي وقرأ ابو عمرو بتشديد الراء للتوكيد والتكبير وعن بعضهم الاخراب لتعطيل أو ترك الشيء خرابا والتخريب الهدم.
{ وَأَيْدِى المُؤْمِنِينَ } معنى تخريبها بايدي المؤمنين انهم عصوا ونكثوا وكانوا سببا لتخريب المؤمنين إياها فكأنهم مروا المؤمنين بالقريب وكلفوهم إياهم يخربون ظاهرها واليهود باطنها قال ابن عباس: كلما طهر المؤمنون من دار هدموها ليتسع لهم المقاتل ويزول متحصل اليهود ونكاله واليهود يخربون ويضربون بالنفض من دار لدار والمؤمنون في اثرهم وذلك لما اراد الله من استئصالهم من تلك البلاد.
{ فَاعْتَبِرُوا } اتعظوا بما دبر الله ويسر من امر اخراجهم من غير قتال ولم ينفعهم ما اعتمدوا عليه من غير الله فلا تعتمدوا على غيره جل وعلا.
{ يَا أُوْلِى الأَبْصَارِ } قال القاضي: واستدل به على ان القياس حجة من حيث انه امر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها لما بينهما من المشاركة المقتضية له وذلك ان الحق اثبات القياس لاهله.