التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١٥٢
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولا تَقْربُوا مالَ اليتيم إلاَّ بالتى هِىَ أحْسَنُ } إلا بالفعلة التى هى أحسن كالسعى فى حفظه جدًّا، وفى انمائه بتجر وسقى ونحو ذلك، وإخراج الزكاة منه، حرم الله بهذا تضييعه وخيانته بأخذه أو أخذ بعضه، أو إعطاء بعضه فيما لا يجب فيه، ولا يعود نفعه عليه، ولكن لا يتصدق منه، وقيل: يتصدق منه بقليل على اليتيم فيكون حفظا لماله، ونموّاً له، وفى الحديث: "اتجروا بمال اليتيم لا تأكله الزكاة" وفسر مجاهد التى هى أحسن بالتجر فيه وفسره الضحاك بأن يسعى فيه ولا يأخذ من ربحه شيئا إن كان غنيا، وإلا أكل بمعروف، وأحسن اسم تفضيل على بابه، أى أحسن ما يحفظ به المال وينمو، وأحسن مما يحفظون به أموالكم وتنموها به.
{ حتَّى يبلُغ أشدَّهُ } قوته بدنا وعقلا بأن يبلغ ويؤنس رشده، وهو مفرد كآنك أو جمع شدة كنعمة وأنعم بكسر أول المفرد أو جمع شد بكسره أيضا، والكل بمعنى القوة، فإذا بلغ أشده فأوصلوه يده.
{ وأوفُوا الكيْلَ والميزانَ بالقِسْط } بالعدل بأن لا ينقص الذى يعطى من ماله، ولا تتجاوز الذى يأخذ إلى زيادة بأن يطلب من يعطى أن يزيد، أو يزيد هو بأن يبيح له من عليه الحق أن يكيل أو يزن هو، والخطاب لمن يكيل ويزن، ومن يكال له ويزن له فبالقسط حال مؤسسة باعتبار الذى يأخذ، أى يقتصر على إيفاء الحق ممن عليه الحق له، لا يتعدى إلى زيادة، ومؤكدة باعتبار من عليه الحق، ولا مانع من مجئ الحال مؤكدة باعتبار، ومؤسسة باعتبار آخر، وإن جعلنا الخطاب لمن عليه الحق لأنه الذى يكيل ويزن أصالة فهى مؤكدة.
{ لا نُكلِّف نفساً إلا وُسْعها } لما كان الكيل والوزن مما لا طاقة لأحد على الوقف على حدهما بلا زيادة ولا نقصان، كما ذكره الشيخ إسماعيلرحمه الله ، قال تعالى: لم ألزمكم فيهما إلا جهدكم إلى إلا ما تسعه طاقتكم، ولا تقدر على سواه من العدل، فالوسع ليس هنا ما تسعه طاقتك وتسع أكثر منه مما هو عدل، والحاصل أن المراد أقصى طاقتكم، وما وراء ذلك من زيادة من يكيل أو يزن من مقال غيره أو من نقص من يكيل أو يزن من ماله معفو عنه، كما ندب الذى له الحق أن ينقص قليلا حوطة، لأنه إذا استقصى فى حقه فقد تعرض للشر بأن يزيد، وندب الذى عليه الحق أن يزيد حوطة من غير أن يلزم من عليه الحق أن يزيد ما عسر عليه، أو من له الحق أن ينقص ما يعسر عليه، ثم إنه يجوز حمل قوله: { لا نكلف نفساً إلا وسعها } على أن يعود إلى الايفاء بالكيل والوزن بالقسط، وإلى قوله: { لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن } أو إلى ذلك وجميع التكاليف.
{ وإذا قُلْتم } تكلمتم فى القضاء بين الناس أو فى أداء الشهادة، أو فى الأمر والنهى، أو فى حكاية ما تحكون أو أداء الرسالة والتوسط بين الناس كالصلح ونحو ذلك { فاعْدِلُوا } فى قولكم { ولَوْ كانَ } المقول له، أو عليه { ذا قُرْبَى } فإن كان المقول له ذا قربى فلا تزد فى نفعه عما له، كما لا تنقص، وإن كان المقول عليه ذا قربى فلا تزد فى نفعه عما له، كما لا تنقص، وإن كان المقول عليه ذا قربى فلا يثبت له الحق، وليس له كما قال ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين.
{ وبعَهْد اللهِ أوفُوا } أوفوا بما عهد إليكم أى بما أنهى إليكم وأعلمكم بوجوبه أو حرمته من الأحكام الشرعية، ومنه هذا العدل المذكور، وقيل: المراد بالعهد النذر والوعد الذى يجب الوفاء به.
{ ذلكُم } أى ما ذكر من النهى عن قرب مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن، وإيفاء الكيل والميزان بالقسط والعدل فى القول، ولو فى ذى قربى، والإيفاء بعهد الله { وصَّاكُم به } الكلام فيه كالكلام فى الذى قبله، ولا يخفى التأكيد بلا تقربوا و بـ "بالقسط" وبلو كان ذا قربى، وبعهد الله، فإن العهد مما يوثق به فى معنى التوصية به الأمر بالمحافظة عليه.
{ لعلَّكُم تتذكَّرونَ } لتتعظون فتأخذوا بذلك، وقرأ حمزة والكسائى وحفص تذكرون بتاء واحدة، وإسكان الذال وضم الكاف، حيث وقع فى القرآن بالتاء، والباقون فى جمع القرآن بالتشديد للدال.