التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ
٥٣
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وكَذلك فتنَّا بعْضَهم ببعْضٍ } فتنَّا بعض المؤمنين وبعض المشركين ببعض، ابتلينا فقراء المسلمين بأغنياء المشركين، ووضيعهم بشريف المشركين، وابتلينا شرفاءهم وأغنياءهم بفقراء المسلمين وضعفائهم، فهم يقولون: كيف رزق المشركون وهم مشركون ووسع عليهم، وكان لهم شرف، والمشركون يقولون: إن هؤلاء سبقونا للإيمان فلو آمنا كنا لهم تبعاً وهم دوننا، فيأبون الإيمان لذلك، وذلك فتنة الدين، ومن وسوس الشيطان له من المؤمنين بذلك، ولم ينسب الله إلى الجور، بل أزاح ذلك فلا بأس، ومن رسخ فى قلبه الحق فلم يلتفت لتلك الوسوسة فهو من الشاكرين، ويجوز أن يكون هاء بعضهم عائدة للناس مطلقاً، ولا ينافيه قوله:
{ ليقُولُوا هؤلاءِ مَنَّ اللهُ عَليْهِم مِنْ بيْننا } لأن مشركى قريش القائلين أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا من جملة الناس، وأيضا ليس هذا القول مختصاً بمشركى قريش فى ذلك الزمان، نعم الراجح رد الضمير إلى خصوص من تقدم ذكره، ونزلت الآية فيه، والكاف إن كانت اسماً ومنعوت متعلقها المحذوف إن كان حرفا مفعول مطلق، وأى مثل ذلك الفتن فتناً أو فتناً ثابتا، كذلك الفتن، فإن أريد نفس الفتن الواقع ونفس من فتن فالتشبيهُ بمعنى أن صفة فتن فتنابه بعضاً ببعض هو ما ذكر، وإن أريد فتن آخر ومفتون آخر فلا إشكال، ومعنى أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا إنكار أن يكون للإسلام هكذا مطلقا، أو ما عليه ضعفاء المسلمين من الإيمان أمرا حسنا صحيحا، فضلا عن أن يكون منة من الله لهم، خصهم الله بها من بيننا، ولو كان منَّة وفضلا لكنا أولى به، فنسبق له، لأنا الأعزاء الشرفاء ذووا المال كما قالوا:
{ { لو كان خيراً ما سبقونا إليه } واللام للصيرورة، ويجوز أن تكون للتعليل بلا حاجة إلى تأويل فتنا بعضهم ببعض يخذلنا، بل يصح مع إبقاء المعنى فتنا ابتلينا.
{ أليْسَ اللهُ بأعْلم بالشَّاكِرِينَ } بمن قضى له فى الأزل بالشكر فيوفقه إليه، مثل هؤلاء الضعفاء، وأما من قضى لهُ بالخذلان مثل من لم يؤمن من هؤلاء الرؤساء فيخذله، وليس الأمر بهين ولا مما يتساهل فيه.