التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٦٣
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ } لعبدت الأصنام { مَنْ يُنجِّيكُم مِن ظُلماتِ البرِّ والبحْرِ } قيل: ظلمات البر والبحر ظلمة الليل بلا سحاب، وظلمته بسحاب، وقيل: ظلماتهما الضلالة عن الطريق فيهما ليلا أو نهارا فى ظلمة ِأو ضوء، فذلك استعارة للفظ الظلمات لخطأ السبيل فيهما بجامع الهلاك، والأولى أن يقال: هى شدائد البر والبحر كلها من ضلالة الطريق، لظلمة الليل والسحاب أو غيرهما، ومن الخسف، ومن الريح العاصف، والموج الهائل، وضرب السفينة للجبل، ودخول طرفها فى الدردور، وانكسارها، والغرق، وملاقاة العدو فى البر والبحر، وهجومه، والسبع والمضار كلها على الاستعارة، كما يقال: يوم مظلم قال الشاعر:

*لكن لكم يوم من الشر مظلم*

ويقال: يوم ذو كواكب، وقرأ يعقوب بإسكان نون ينجيكم وتخفيف جميعه، والاستفهام للتوبيخ والنفى، أى لا مخلوف ينجيكم وهو إلزام وتبكيت لهم.
{ تدْعُونَه تضرُّعاً وخُفْيةً } لينجيكم من تلك الظلمات، والتضرع والخفية مفعولان مطلقان، فإن التضرع الجهر، والخفية الإسرار، وهما الدعاء، والدعاء هما، أى يدعون دعاء جهيراً أو دعاء خفيا، أو يجهرون فى دعائهم جهراً، ويستخفون فيه خفاء أو يقدر مضاف أى تدعونه، دعاء تضرع ودعاء خفية، أو حالان، أى ذوى تضرع وذوى خفية، أو متضرعين ومخفين، وقرئ بكسر الخاء وهو لغة فى خفية بضمها، والجمهور على الضم، ونسب بعضهم الكسر إلى عاصم فى رواية أبى بكر عنه، وهو على كل حال من الخفاء وقرأ الأعمش خفية بالكسر من الخوف، وجملة تدعونه حال من الكاف.
{ لئن أنْجيتَنا مِنْ هذهِ } مفعول لحال محذوفه، أى قائلين لئن أنجينا من هذه الظلمات، ومحكى لتدعونه، لأن فيه معنى القول مع زيادة المعنى الذى تعدى به إلى الهاء، والإشارة إلى الظلمات، وأفرد اللفظ بتأويل الجماعة، أو الجملة، أو وجه قصد معنى الجمع أنه كلما وقع قوم أو فرد فى ظلمة دعوا الله فى الخلاص منها قائلين: لئن أنجيتنا من هذه الظلمة، فتجتمع منهم ظلمات، وقد تكرر من قوم واحدة ظلمات كل على حدة أو بمرة فجمعها، ويجوز عود الإشارة إلى الظلمة الواحدة على الأصل، ووجه هذا القصد أن يذكر الله حقيقة دعوة كل واحد وكل قوم عند الظلمة، الواحد على العموم البدلى، وقرئ: لئن نجيتنا بالشديد فتح النون وإسقاط الهمزة، وقرئ: لئن أنجانا بالألف.
{ لنكونَنَّ مِنَ الشَّاكِرين } لنعمتك بالإيمان بجميع ما يجب الإيمان به، وعبادتك وحدك، وفى معنى ذلك، أو يقال من الشاكرين بمعنى من المؤمنين، والمراد شكر نعمتى الانجاء وغيره أن المضطر يعد من نفسه ما لا يفرح به ويغتبط أحقر أحواله من قبل ما دام مضطراً.