التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
٦٥
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قلْ هُو القادِرُ عَلى أن يبْعَث عليكم عذاباً مِن فَوقِكم } كإرسال الماء من السماء على قوم نوح، والريح على عاد، والصيحة على ثمود، والحجارة على أصحاب الفيل، وعلى قوم لوط بعد أن قلبهم { أوْ مِنْ تَحْت أرجُلِكم } كما خسف قوم شعيب، وكما أرسلت الأرض ماءها لهلاك قوم نوح إرسال السماء، وكما قلبت الأرض على قوم لوط، فإنها تحت أرجلهم، ثم رفعت فكانت عليهم، وكما أغرق فرعون فإن الماء المستقر فى الأرض مما يوصف بأنه تحت الأرجل، إذ يدخل فيه بالأرجل فى الجملة، وإذ هو فى الأرض التى تحت الأرجل.
وعن السدى، عن أبى مالك: من فوقكم الرجم، ومن تحت أرجلكم الخسف، وهو أيضا مروى عن مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك، وعن مجاهد وابن عباس: من فوقكم السلاطين الظلمة، وحكام الجور، ومن تحت أرجلكم العبيد والسفلة، وقيل: من فوقكم حبس المطر، ومن تحتكم منع النبات، والظاهر أن الخطاب للمشركين فى قوله: { على أن يبعث عليكم } إلخ كما هو لهم فى قوله: { قل الله ينجيكم ثم أنتم تشركون } وما قبله، وقال أبىّ بن كعب وجملة: هو للمؤمنين، قال جابر بن عبد الله وغيره، عن النبى صلى الله عليه وسلم: لما نزل { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال: "أعوذ بوجهك" ولما نزل: { أو من تحت أرجلكم } قال: "أعوذ بوجهك" ولما نزل:
{ أو يلبسكم شِيعاً ويذيق بَعضُكم بأسَ بَعضٍ } قال: "هذه أيسر وأهون"، استدل بهذا الحديث من قال الخطاب للمؤمنين وهو ضعيف، لبعد أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التى توعد بها الكفار وهون الثالثة، وقد رجح أبو عبد الله محمد بن جرير الطبرى أنه ليس للمؤمنين، وقال: إنه للمؤمنين جماعة منهم ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، وابن العالية، وأبى بن كعب قالوا جميعا: معنى { يلبسكم شيعاً } الأهواء المختلفة، ومعنى { يذيق بعضكم بأس بعض } القتال الذى وقع بين الصحابة وسفك الدماء، فهاتان اثنتان وقعتا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وبقيت اثنتان: بعث العذاب من فوق، وبعثه من تحت، وهما لا بد واقعتان عندهم بعد ذلك، قال أبو العالية: الخسف والمسخ، وقال أبى: الخسف والرجم.
قال سعد بن أبى وقاص:
"أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بنى معاوية، دخل فركع فيه ركعتين فصلينا معه، ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال: سألت ربى ثلاثا أعطانى ثنتين ومنعنى واحدة، سألت ربى أن لا يهلك أمتى بالسَّنة أى بالجوع فأعطانيها أى أعطانى مسألتى، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فأعطانيها، وسألت ربى أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" وهذا الحديث يفيد أن الخطاب للمؤمنين، ويجاب بأن المراد سألت ربى أن لا يفعل بأمتى ما قال فى الآية إنهُ قادر على فعله بالمشركين، من لبسهم شيعا، وإذاقة بعضهم بأس بعض.
ويروى:
"سألت ربى أن لا يظهر على أمتى أهل دين غيرهم فأعطانى ذلك" والمعنى أن لا يقطع بهم دينهم قبل تمام علوه، وقد كان ذلك، فإنه ما غلب النصارى المسلمين إلا بعد بلوغ الإسلام أطراف الأرض وعلوه كل علو، وخمود غيره كل خمود "وسألته ألا يلبسهم شيعاً فمنعنى ذلك" وعنه صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ونعما إن استقمتم وخير أعمالكم الصلاة، ولن تخترموا، ولن تقتلوا، ولا أخاف عليكم إلا أنفسكم" وعن الحسن، وعن خباب بن الأرتّ: " أنهُ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة فأطالها، فقيل: يا رسول الله قد رأيناك اليوم تصلى صلاة ما رأيناك تصليها؟ قال: إنها صلاة رغبة ورهبة، وإنى سألت ربى ثلاثا فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة، سألته أن لا يسلط على أمتى عدوّاً من غيرها فأعطانيها، وسألتهُ أن لا يسلط على أمتى السَّنة الشديدة فتهلكهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" ومعنى يلبسكم شيعاً يخلطكم فرقاً متحزبين على أهواء شتى، فشيعا حال من الكاف جمع شيعة بعضهم فيه بعضاً أى يتبع، فإذا كان الناس شيعاً كل شيعة على أمر غير أمر الأخرى، وذلك مفتاح القتال، ويذيق متعدى لاثنتين نصب بعضكم بواسطة همزة أذاق وهو المفعول الأول، وذلك لأنه الفاعل فى المعنى، وبأس مفعول ثان تعدى إليه بنفسه ثلاثية أى يصير الله بعضكم ذائقا بأس بعض.
{ انظُر كيفَ نُصرِّف الآيات } نكررها بالوعد والوعيد، ووجوه مختلفة ليعلم المشركون بطلان مذاهبهم وتناقضها، ونبينها آيات القرآن أو الدلائل { لعلَّهم يفْقَهون } يعلمون أنهم على باطل.