التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
-الممتحنة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَآءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } التذكير للفصل والتأنيث ولو كان اصلا لكن قد تجتمع القراء على مرجوح كالتذكير في وجمع الشمس أو لان المؤمنات نعت لاسم الجنس أي النساء المؤمنات واستدل الكفويون بالاية وغيرها على جواز اسقاط التاء من فعل جمع المؤنث السالم نحو قام الهندات، قاله ابن هشام وسماهن مؤمنات لتصديقهن بالسنتهن مع عدم ظهور ما ينافي التصديق ولانهن مشارفات ومقاربات لثبات الايمان بالامتحان كما قال { فَامْتَحِنُوهُنَّ } اختبروهن بالحلف على الايمان.
وبالنظر في الامارات ليغلب على ظنونكم صدق ايمانهن وكان صلى الله عليه وسلم يقول للممتحنة بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بعض زوج وعشق رجل ولا رغبة عن أرض الى أرض بالله ما خرجت التماس دنيا بالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وعن ابن عباس الامتحان ان تستخلف ما خرجت عن بغض زوج ولا رغبة عن أرض الى أرض ولا لحدث احدثته ولا التماس دنيا وما خرجت إلا محبة في الاسلام وحبا لله ولرسوله { اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } منكم لانه المطلع على ما في الضمير ولا تكلفون علم الغيب.
{ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } العلم الذي تبلغه طاقتتكم ويمكنكم تخليصه وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الامارات وهذا يجب العمل به كالعلم ولذا اسماه علما { فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ } أزواجهن الكفار بدليل { لاهُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } نص في حصول الفرقة قال ابن هشام: أخبر بالحل عن الجمع لانه مصدر يقال حل حلا والمصدر إذا نعت به أو اخبر ووصل أو كان حالا لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث فيقدر مضاف أي ذوات حل أو يأول بالوصف أي حلال وقد يقع حلال مصدرا ويجوز كون حلال وصفا انتهى بزيادة.
{ وَلاهُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } تكرير للمبالغة والمطابقة وانهم حرموا عليهن كما حرمن عليهم وبدليل { وَأَتُوهُم } اعطوهم أي ازواجهن { مَّا أَنفَقُوا } من المهور عليهن
"نزلت تلك الآية في سبيعة بنت الحارث الهلالية الاسملية وذلك انه صلى الله عليه وسلم عام الحديبية صالح المشركين على يد سهيل بن عمرو العامري على ان ما جاء منهم رده ومن جاء منه لم يردوه عليه وكره كثير من المسلمين ذلك وامسكوا هيبة له صلى الله عليه سلم ولما قفل راجعا لحقته امرأة منهم من المشركين فنادته يا محمد يا محمد إني قد جئتك مؤمنة بالله ومصدقة بما جئت به فقبل عنها ولما بلغ الروحاء لحقه وفد المشركين مع زوجها كافار قيل: هو عبدالله بن النباش وقيل مسافر المخزومي وقيل صيفي بن الراهب فقالوا: يا محمد لم يجف طين كتابك حتى غدرت فهم النبي صلى الله عليه وسلم بردها فنزل جبريل وقال اقرأ يا محمد يا ايها الذين آمنوا إذا جاءكم الخ …" .
فقال لهم انما كان الشرط في الرجال لا في النساء وعبارة بعضهم ان الصلح على من اتى منهم مسلما رده اليهم رجلا أو امرأة فنقض الله ذلك في امر النساء وهي رواية الضحاك ويحتمل الجمع بأن معنى كون الشرط في الرجال الشرط الذي اثبته الله ولم ينقضه والظاهر انهم لم يذكروا امرأة فبين ان الشرط في الرجل واما المرأة فلم تذكروها ولا شرطتموها ولا ترد للكافرين لقلة عقلها فترتد وهاجرت ايضا ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط وهي عاتق فجاء اهلها ونزلت الاية ولم يرددها لهم.
وعن عائشة كان يمتحن بهذه الآية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات الى رحيم ويبايعن بالقول ولم يمس يد امرأة في المبايعة قط ونقض الله شرط الرجال بأوائل براءة أيضا ولما امتحن سبيعة اعطى عمر زوجها ما انفق عليها وتزوجها قيل في الكلام حذف أي اتوهم ما انفقوا ان اردتم نكاحهن وقيل يؤتونهم ما انفقوا ولو لم يريدوا تزويجهن والظاهر الاول ويصدقونهم فيما قالوا انهم انفقوه.
{ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } لان الاسلام حال بينهم وبين ازواجهن والكفار ولم يبح الله مؤمنة لكافر وقيل حتى تنقضي عدتها { إِذَا أَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن لان المبر اجرة النكاح قال جار الله: لا يخلو ما ان يراد ما يدفع اليهن ليدفعه الى ازواجهن فيشترط في اباحة تزوجهن تقديم ادائه واما ان يراد ان ذلك على سبيل القرض واما ان يبين انما اعطى ازواجهن لا يقوم مقام المهر وانه لابد من اصداق وبه احتج ابو حنيفة ان احد الزوجين اذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة وبقي الآخر حربياً وقعت الفرقة بلا عدة إلا ان كانت حاملا فلا تتزوج حتى تضع.
{ وَلا تُمْسِكُوا } وقرأ البصريان بالتشديد وقرىء بفتح التاء والتشديد أي لا تتمسكوا { بِعِصَمٍ الكَوَافِرِ } بما تعتصم به الكوافر من عقد نسب والعصم جمع عصمة والكوافر جمع كافرة أي لا تقيموا على زوجاتكم المشركات قال ابن عباس من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه.
قال الزهري: لما نزلت الآية طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا بمكة مشركتين قريبة بنت امية بن المغيرة فتزوجها معاوية بن ابي سفيان وهما على شركهما بمكة وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم وهما على شركهما.
وهاجر طلحة بن عبدالله وبقيت زوجته أروى بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ففرق الاسلام بينهما وتزوجها بعده في الاسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية قال الشعبي: وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع وهاجرت ثم أسلم زوجها فردها له وذلك قبل تحريم تزويج المؤمنة للمشرك وعن عائشة رضيى الله عنها لما حرم لم يقدر صلى الله عليه وسلم على التفريق بينهما.
وعن النخعي: أراد بالكوافر الازواج المرتدات يلحقن بدار الكفر فيكفرن وقيل المراد كافرات العرب إذا ابين الاسلام وليس للعرب كتاب فارقهن ازواجهن وقيل المراد عابدات الاوثان ومن لا يجوز تزويجه ابتداء وقيل عامة نسخ بها نكاح الكتابية وهو ضعيف.
{ وَسْئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ } من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار أي اطلبوه { وَليَسْئَلُوا مَا أَنفَقُوا } من مهور ازواجهم المهاجرات وذلك بين المسلمين وبين من عاهد قال الزهري: لولا العهد لامسك صلى الله عليه وسلم نساء قريش ولم يرد الصداق وكذلك يصنع بمن جاء من المسلمات قبل العهد ولما نزلت الاية اقر المؤمنون بحكم الله وادوا ما امروا به من نفقات المشركين عن نسائهم.
{ ذَٰلِكُمْ } للذكور جميعاً { حُكُمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } حال من لحكم على حذف الضمير أي يحكمه أو الضمير المستتر عائد للحكم جعل الحكم حكم مبالغة أو استئناف { وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وامتنع الكفار ان يؤدوا الى المسلمين ما انفقوا على ازواجهم الكوافر من المهور وقالوا لا نرض بهذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لاحد صداقا فانزل الله عز وجل.