التفاسير

< >
عرض

لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
-الممتحنة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } قراباتكم { وَلا أَوْلادُكُمْ } الذين توالون المشركين لاجلهم لا يردون عنكم عذاب الله دنيا ولا اخرى أو لاينفعونكم ولو اطعتموا المشركين في الكفر.{ يَوْمَ القِيَامَةِ } متعلق بقوله { يَفْصِلُ } يفرق { بَيْنَكُمْ } بما عراكم من الهول ولا تجتمعون كالدنيا بل يفرق بعض من بعض فما لكم ترفضون حق الله لاجل من يفر عنكم ولا ينفعكم. فموالاتهم خطأ من جهة انهم اعدائكم في الدنيا ومن جهة انهم لاينفعونكم في الاخرة والنائب ضمير الفصل أو بين على قول الاخفش فهو في محل رفع على النيابة ولو كان لا تصرف.
وقرأ عاصم بالبناء للفاعل وهو لله جلا وعلا وقرأ عامر بضم الياء وفتح الصاد مشددة للمبالغة وقرأ حمزة والكسائي كذلك لكن كسر الصاد وقرىء نفصل بالنون والتخفيف وبهاء مع التشديد وتجمع الفقراء يوم القيامة ويقال اين فقراء هذه الامة ومساكينها فيبرزون فيقال ما عندكم فيقولون يا ربنا ابتلينا فصبرنا وانت اعلم ووليت الاموال والسلطان غيرنا فيقال صدقتم فيدخلون الجنة قيل سائر الناس بزمان وتبقى شدة الحساب على ذوي السلطان والاموال قيل لعمرو بن العاص اين المؤمنون يومئذ قال توضع لهم كراسي من نور يضلل عليهم الغمام ويكون ذلك اليوم اقصر عليهم من ساعة نهار.
{ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازيكم به هذا وعيد وتحذير نزل ذلك كله من أول السورة في حاطب بن بلتعة روي
"أَن مولاة لأَبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف أًتت رسول الله صلى الله عليه سلم بالمدينة وهو يجهر للفتح فقال لها أمسلمة جئت قالت لا قال فمهاجرة قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأَهل والموالي والعشيرة وقد ذهبت الموالي تعني قتلوا يوم بدر واحتجت حاجة شديدة فقدمت لتعطوني وتكسوني وتحملوني فقال لها: وأَين أَنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر أي ما طلب مني تغنية ولا نواح فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزودها فاتاها حاطب بن بلتعة وأَعطاها عشرة دنانير وكساها بردا وكتب معها كتاباً الى مكة نصه من حاطب بن بلتعة الى أَهل مكة إِعلموا أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم" وقال الكلبي: كتب ان محمدا قد نفر ولا ادري اياكم يريد ام غيركم فعليكم بالحذر وقال الواقدي كتب الى سهيل بن عمرو وصفوان بن امية وعكرمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن في الناس بالغزو ولا اراه يريد غيركم وقد احببت ان تكون لي عندكم يد.
وفي تفسير يحيى بن سلام نص الكتاب
"أَما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش عظيم يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وانجز له فانظروا لأَنفسكم والسلام وفي رواية بجيش كالليل يسير كالسيل وروي يريد غزوكم في مثل الليل والسيل واقسم بالله لو غزاكم وحده لنصر عليكم فكيف وهو في جمع كثير وخرجت سارة ونزل جبرائيل بالخبر فبعث صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وابا مرثد وكانوا فرسانا فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ وهي موضع قريب من المدينة في جهة حمرا الاسد" هذا هو الصحيح وقيل: قرب مكة "فإن بها ظعينة وهي المرأة المسافرة سميت لملازمتها الهودج معها كتاب من حاطب الى أَهل مكة فخذوها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فادركوها في الموضع فجحدت وحلفت وهموا بالرجوع بعدما فتشوا متاعها.
فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسل السيف فقال اخرجي الكتاب وإلا فوالله لاجردنك ولأَضربن عنقك وقيل قال: لتخرجين الكتاب أو لتلقين الثياب ولما رأت الجد قيل أخذت منهم عهدا لا يردونها إلى المدينة فأَخرجت الكتاب من عقاصها وهو الشعر المضفور وعبارة بعض من عقاص شعرها وفي رواية من ذؤابتها وقيل أخرجته من خمارها ويحتمل الجمع بانها أًخرجته من شعرها تحت خمارها وقيل من حجزتها وقيل لما رأت الجد من علي قالت اعرض عن فاعرض فحلت قرن رأسها فاخرجته وقيل قال لها اخرجي الكتاب أو لأرمين رأسك في التراب فأخرجته وأعطته له فرجعوا ولم يتعرضوا لها ولا لمالها.
فارسل صلى الله عليه وسلم الى حاطب فاتاه فقال: هل تعرف الكتاب قال نعم قال: فما حملك عليه فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن كنت امرأ ملصقا في قريش. وروي عزيزا فيهم أي غريبا والملصق الحليف ولم أكن من أنفسها وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهلهم وأموالهم غيري فخشيت على أهلي فاردت ان اتخذ عندهم يدا إذا فاتني النسب فيحموا اهلي ولم أَفعله ارتداداً عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإِسلام وكان كما قال لم يكن ذلك منه نفاقا قال وقد علمت ان الله ينزل بهم بأسه ولا يغني كتابي فصدقه صلى الله عليه وسلم وعذره فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق فقال: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر فقال الله ورسوله اعلم"
فنزلت الاية وصدقه الله.
وكان بدريا وانما اطلق عمر عليه اسم المنافق مع تصديق النبي صلى الله عليه وسلم له قبل نزول تصديقه وقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تقولوا لحاطب إلا خيرا" .