التفاسير

< >
عرض

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨
-المنافقون

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا } من غزوة بني المصطلق { إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ } فاعل { مِنْهَا } متعلق بيخرج { الأَذَلَّ } مفعول أرادوا بالأعز أنفسهم وبالأذل المسلمين وقرىء بفتح الياء وضم الراء فالأذل مفعول مطلق أي خروج الأذل قيل أو حال على زيادة ال وكذا على قراءة البناء للمفعول وقرأ الحسن ابن أبي عبله بنون مضمومة وراء مكسورة ونصب الاعز على المفعولية والاذل على انه مفعول مطلق أي اخراج الاذل أو حال على ما مر ويجوز ان يكون حالا هنا وعلى القراءة الثانية بتقدير مضاف عند بعضهم أي مثل الاذل.
قال ابن هشام وهذا اولى من دعوى زيادة ال واجاز بعضهم تعريف الحال وقبح الله قائلي ذلك وازرابهم بقوله { وَللهِ العِزَّةُ } قدم المجرور للتعظيم { وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } لا للمشركين والمنافقين يعز الله دينه ورسوله والمؤمنين وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة انها قالت السبق على الاسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه.
وعن الحسن: ان رجلا قال له ان الناس قالوا فيك تيه قال لابل عزة وتلا الآية وفي الآية القول بالموجب اذا وقعت صفة في كلام الغير كناية عن شي أثبت له حكم واثبتها المتكلم لغير ذلك الشيء من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم لذلك الغير أو نفيه عنه فالغير المنافقون والاعزيه صفة وكنوا بالاعز عن فريقهم وفريقهم هو الشيء المثبت له حكم والحكم الاخراج والمتكلم الله اثبت العز لغير ذلك الفريق اثبته لنفسه ورسوله والمؤمنين ولم يتعرض لثبوت الاخراج له ولرسوله والمؤمنين ولا لنفيه.
{ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ }
"ذلك ولما قال عبد الله ليخرجن الاعز منها الاذل قال زيد بن ارقم جزاه الله عن الاسلام خيرا وكان شابا انت والله الذليل القليل المبغض في قومه ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين ومحبة ولا أحبك ابدا بعد هذه فقال له عبدالله ـ لعنه الله ـ اسكت انما كنت العب فاخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر رضي الله عنه فقال دعني اضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله فقال اذن ترعد انف كثيرة بيثرب قال: فإن كرهت ان يقلته مهما جر فأمر به أَنصاريا يقتله قال يتحدث الناس أَن محمدا يقتل أَصحابه ولكن أَذن بالرحيل فارتحلوا وذلك في ساعة لم يكن صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارسل الى عبدالله فأتاه فقال انت قائل ما بلغني فحلف هو وقوم منافقون بالذي انزل عليه الكتاب ان لا وكذبوا زيدا فعذره صلى الله عليه وسلم وكذب زيدا" .
وفي رواية وروي ان عبد الله لما حلف وقال ما قال ما عملت عملا هو ارجى ان ادخل به الجنة من غزوتي هذه معك "وروي أَن قوما من الانصار قالوا يا رسول الله هو شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام لعله وهم وقال صلى الله عليه وسلم لزيد لعلك غضبت عليه قال: لا قال: فلعله شبه عليك قال لا وفشت الملامة في الأَنصار لزيد وكذبوه وكان معه عمه وقال له ما أًردت إلا أًن كذبك رسول صلى الله عليه وسلم والناس ومفتوك وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم واستحى بعد ذلك ان يدنو منه وكان الا يتصرف في الناس حياء ولما نزل الناس سلم اسيد بن حصيد عليه صلى الله عليه وسلم وقال يارسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال اوما بلغك ما قال صاحبك عبد الله بن ابي فقال: وما قال: قال يزعم انه ان رجع الى المدينة اخرج الاعز منها الاذل فقال اسيد انت والله يا رسول الله تخرجه هو والله الذليل وأنت والله العزيز ثم قال يا رسول الله: ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى انك سلبته ملكا" .
"ولما بلغ ذلك ابن عبد الله واسمه حباب وسماه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد الله وقال ان حباب اسم شيطان وكان مخلصا قال بلغني انك تريد قتل ابي مرني احمل اليك رأسه ولقد علمت الخزرج ما كان بها رجل ابر بوالديه مني وان قتله غيري لم تدعني نفسي انظر الى قاتله يمشي على الارض فاقتل مسلما بكافر فادخل النار فقال صلى الله عليه وسلم ترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه وليلته وصدر اليوم حتى اذتهم الشمس فنزل فناموا فعل ذلك ليشغلهم عن حديث عبد الله الكائن بالأَمس ثم راح بالناس حتى نزل على ماء فريق البقيع اسمه نقعاء فهاجت ليلا ريح شديدة آذتهم وخافوها وظلت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال لا تخافوا انما هبت لموت عظيم من الكفار بالمدينة فقيل: من هو فقال: هو رفاعة بن زيد بن التابوت من اليهود وكان كهفا للمنافقين ذا مال وجاه فقال: منافق كيف اذن لا يعلم مكان ناقته هلا اخبره بها الذي يأتيه بالوحي فاخبره جبريل يقول المنافق وبأن ناقته بالعشب تعلق زمامها بشجرة فإذا هي كذلك فجاؤوا بها فأمن المنافق وحسن ايمانه.
ولما قدموا المدينة وجدوا رفاعة قد مات في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما بلغ زيد المدينة جلس في بيته حياء وهما فانزل الله السورة في تصديقه وتكذيب عبد الله فبعث الى زيد وضحك في وجهه وقال ان الله صدقك وعرك اذنه فقال وفت أذنك يا غلام"
وقيل كان ذلك قبل بلوغ المدينة روي ان تصديقه نزل في السفر حال الرجوع بين مايسير نزل عليه عذر زيد فتخلل الناس حتى لحقه وعرك اذنه وصدقه ولما اراد عبد الله ان يدخل المدينة تعرض له ابنه وقال: وراءك والله لا تدخل حتى تقول رسول الله الاعز وانا الاذل ولم يزل حبيسا في يده حتى امره صلى الله عليه وسلم بتخليته.
وروي
"انه قال له لان لم تقر لله ورسوله بالعزة لاضربن عنقك فقال ويحك افاعل انت قال: نعم فلما رأى منه الجد قال: اشهد ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال صلى الله عليه سلم لابنه: جزاك الله عن رسول الله خيرا، وقال ايضاً لا تنقلب الى المدينة حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز فأقر" .
"وروي أَيضاً أًَنه أَناخ على مجامع طرق المدينة وجرد سيفه فجاء ابوه فقال له وراءك قال ويلك مالك قال: لا والله ولا تدخلها ابدا إلا بأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلمن ان اليوم من الأَعز ومن الأَذل فشكاه إِلى النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَرسل إِليه أًن دعه يدخل فقال: أَما إِذا جاء أَمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم ولما بان كذبه أَخزى وقيل له: إِذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فإنه نزلت فيك أي شداد فلوى رأسه كما قال الله سبحانه، وقال أَمرتموني أَن اؤمن فأمنت وأًن أَزكي فزكيت فما بقي إلا ان اسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم ولبث اياماً قلائلا فاشتكى فمات" .
وقال جابر بن عبد الله: "كان في المهاجرين رجل لعاب فكسع انصاريا فغضب الانصار وتداعى الانصاري يا للانصار والمهاجر يا للمهاجرين فخرج اليهم صلى الله عليه وسلم من رحلة فقال: ما بال دعوى الجاهلية ثم قال: ما شأنهم فاخبر بكسعة المهاجر للانصاري فقال دعوها فانها خبيثة فقال عبد الله لان رجعنا الى المدينة وما تقدم" وقيل: كان ذلك كله في عزوة تبوك لا في غزوة المصطلق.