التفاسير

< >
عرض

إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِن تَتُوبَا } يا حفصة وعائشة التفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة في العتاب. { إِلَى اللهِ } من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم والايذاء له { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } سبب ناب عن المسبب الذي هو الجواب أي فقد أديتما الواجب من التوبة لانه قد صغت قلوبكما أو الجواب محذوف أي قبلت توبتكما يقال صغي أي مال وزاع أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميلكما بالقلبين عن مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه وقرأ ابن مسعود: فقد زاغت والمراد بالقلوب قلبان ولم يعبر بالتثنية لكراهة الجمع بين مثبتين فيما هو كالكلمة الواحدة ومثل ذلك مقيس ولو كان الدال على الاثنين غير ضمير كما هو هنا ضمير وبسطت ذلك في حاشية القطر وشرحه وعن ابن عباس الم ازل حريصا على ان اسأل عمر عمن خوطبت بقوله ان تتوبا حتى حج وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالاداوة أي الركوة فتبرز أي اتي البراز الفضاء من الارض لقضاء الحاجة ثم اتاني فسكبت الماء على يديه فتوضأ وقلت يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله لهما ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما فقال واعجبا لك يا ابن عباس كانه كره ما سألته عنه قال هما حفصة وعائشة قال: وكان منزلي في بني امية بن زيد بالعوالي أي اماكن عالية في ارض المدينة وكنا معشر قريش نغلب النساء.
فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم وغضبت يوما على امرأتي فاذا هي تراجعني فانكرت ان تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره احداهن من اليوم الى اليوم فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن افتأمن ان يغضب الله لغضب رسوله فتهلك فتبسم صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يضرنك ان كانت جارتك أي ضرتك وهي عائشة وهي جارة لها ايضا اوسم أي احسن واجمل عنده صلى الله عليه وسلم واحب اليه فتبسم اخرى فقلت استأنس يا رسول الله قال: نعم فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه إلا اهبة ثلاثة أي جلوداً وهو متوكىء على سرر ما عليه إلا حصر فقلت يا رسول الله ادع الله ان يوسع على امتك فقد وسع الله على فارس والروم وهم لا يعبدون الله.
فاستوى جالسا قائلا اتشك انت يا ابن الخطاب اولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول الله وكان قد اقسم أن لا يدخل عليهن شهرا لاجل الحديث الذي افشته حفصة كما مر من شدة موجدته أي غضبه حتى عاتبه الله ولما مضت تسع وعشرون ليلة بدأ بعائشة فدخل عليها فقالت ما مضى إلا تسع وعشرون ليلة أعدهن وأنت أقسمت يا رسول الله على شهر فقال ان الشهر تسع وعشرون يعني شهره ذلك وفي رواية جابر بن زيد عن ابن عباس قلت لعمر من المرأتان اللتان تظاهران ان على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقال حفصة وعائشة وقال عمر يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وانا وابو بكر والمؤمنون معك وقل ما تكلمت واحمد الارجوت إن يصدق الله قولي فنزل.
{ وَإِن تَظَاهَرَا } ابدلت التاء ظاء وادغمت وقرأ بالتخفيف الكوفيون وقرأ باسقاط الالف وتشديد الظاء يفتعل ابدلت التاء أو ادغمت الظاء فيها أي وان تعاونتا.
{ عَلَيْهِ } أي على ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من الافراط في الغيرة وغيره { فَإِنَّ اللهَ هَوَ مَوْلاهُ } أي فلن يعدم مظاهرا لان الله مولاه ناصره بذاته يتولى نصره.
{ وَجِبْرِيلُ } وأفراده مع دخوله في الملائكة يعد تعظيما له { وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ } أي من صلح ممن آمن بالله وهم الموفون وقيل: هم الملائكة أو قيل: خيار المؤمنين وهم الموفون وصالح مدح ويدل للأول قول سعيد بن جبير من برىء منهم من النفاق وقيل الانبياء وقيل الصحابة وقيل الخلفاء منهم ذكره بعض المخالفين وقيل ابو بكر وعمر وعليه ابن مسعود وابي والمراد بصالح المؤمنين الجنس فيصدق على الواحد فصاعدا أو الاستغراق او هو جمع مذكر سالم حذفت واوه في الخط تبعا لحذفها في النطق كما كتب يدع الداعي باسقاط الواو الحرفية.
{ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ } النصر من الله وجبريل والمؤمنين { ظَهِيرٌ } الملائكة مبتدأ وظهير خبره وجبريل وصالح معطوفان على الضمير المستتر في مولاه لانه بمعنى موال وقد فصل بالهاء لا على محل اسم ان أو على محل ان واسمها لانه يلزم من العطف على محل اسم ان يقول مواليه بفتح الميم وذلك لانه يقال الزيدون قائمون لا قائم ويجوز كون جبريل مبتدأ يقدر خبره أو متبدأ ظهير وما بنيهما معطوف وعلى كل حال فانما اخبر بظهير على الجماعة لانه بمعنى فريق ظهير أو لانه فعيل بمعنى فاعل على صيغة المصدر كصهيل وذميل أو لانهم كواحد على من يعاديه.
وفي الحديث
"هم يد على سواهم" وإذا جعلنا جبريل متبدأ خبره ظهير فالاشارة الى نصر الله وانما قال بعض ذلك لان نصرة هؤلاء تابعة لنصرة الله بل هي نصرته وقيل فضل نصرة بهم على غيره من وجوه نصره. وعن عمر اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت عسى ربه ان طلقهن ان يبدله من هو خير منهم فنزل.