التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٩
-التحريم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } صفة مبالغة يستوي فيها المذكر والمؤنث كامرأة صبور وهند غضوب وقرىء توبا نصوحا والنصح صفة التائب وهي ان ينصح نفسه يأتي بالتوبة على طريقتها متداركة للفرطات ماحية للسيئات واسناده للتوبة مجاز عقلي ويجوز ان يكون نصوح مبالغة في النصاحة وهي الخياطة فيكون شبه فساد الذنب بخرق الثوب واشتق من النصاحة نصوحا على الاستعارة التبعية ويكون ويكون التجوز في الاثبات أيضا.
وقرأ ابو بكر بضم النون فيكون مصدراً بمعنى النصح كالشكر والشكور أو بمعنى الفصاحة كالثبات والثبوت أي ذات نصوح أو ناصحة فالوصف بالمصدر لتقدير مضاف أو تأويله بالوصف أو للمبالغة أو هو مفعول مطلق أي ينصحون نصوحا أو مفعول لأجله أي لنصوح انفسكم وتجب التوبة النصوح من كل كبير وصغير وهي ان لا يعود الى الذنب كما لا يعود اللبن الى الضرع ويعزم ان لا يعود وإن عاد تاب وان يندم وان يهجر اخوان السوء ويغتم لارتكاب الذنب كما تلذذ بفعله ويذوق نفسه مرارة الطاعة كما اذاقها حلاوة المعصية ويذيبها بالطاعة كما رباها بالمعصية ويعيد الفريضة ان كان ذنبه هو تركها ويرد المظالم ان كان ظلماً أو يجعله صاحبه في حل وان كان قذفا أو غيبة تاب عند من قذف أو اغتاب عنده وان وصل المظلوم فليحاللـه وإلا كنتم وقيل لا بد من اخباره ومحاللته.
ولا يكشف نفسه ليحده الامام خلافا لمن اشترط ذلك ولا يشترط الاستغفار باللسان إلا ان حضرها غيره أي شاهد معصيته خلافا للكلبي وغيره وان تاب من ذنب وبقي آخر هل تصح توبته قولان قيل صحت توبته عن الذنب وبقي الآخر وقيل لم تصح وعن ابي بكر الوراق التوبة النصوح هي ان تضيق عليك الارض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا عن شهر بن حوشب ان لا يعود ولو حز بالسيف واحرق بالنار وعن ابن السماك: ان تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينيك وتستعد لمنتظرك وعن حذيفة: حسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يرجع فيه وعن السدي: لا تصح التوبة إلا بنصيحة النفس والمؤمنين لأن من صحت توبته أحب أن يكون الناس مثله.
وروي احب الناس ان يكونوا مثله ويجوز ان يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم الى مثلها لظهور اثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضاها وفي الحديث
"يا ايها الناس توبوا الى الله فإني اتوب اليه في اليوم مائة مرة" وقال: "إن الله لأفرح بتوبة أحدكم (اشد فرحا) منه إذا ضاع بعيره في فلاة مع زاده ثم وجده" وقال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار وبالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" وبسط اليد كناية عن طلب التوبة وكل طالب يقبل مطلوبه وتقبل التوبة ما لم يغرر.
{ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُم وَيُدْخِلَكُم جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } قطع وبت منه تعالى على جهة الاطماع والترجي على عادة الملوك اشعاراً بأن ذلك تَفضُّل منه وأن العبد ينبغي ان يكون خائفا راجيا ويدل لذلك قراءة ابن ابي عبلة ويدخلكم بالجزم على معنى توبوا الى الله توبة نصوحا يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم الجزم في جواب الامر.
{ يَوْمَ } متعلق بيدخل { لا يُخْزِى اللهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } بادخال النار
"روي انه صلى الله عليه وسلم تضرع الى الله من امر أمته فاوحى الله اليه ان شئت جعلت حسابهم اليكم فقال: يا رب أنت أرحم بهم فقال الله تعالى: اذن لا أخزيك فيهم" والآية تعرض بمن أخزاهم الله من الكفار والمنافقين واستحماد الى المؤمنين إذ كفر عنهم سيئاتهم ولم يخزهم.
وقيل الذين مبتدأ خبره { نُورُهُمْ يَسْعضى بَيْنَ أَيْدِيهِم } امامهم { وَبِأَيْمَانِهِم } وذلك اذا خرجوا من قبورهم وفي المحشر وفي ممرهم الى الجنة.
{ يَقُولُونَ } إذ طفىء نور المنافقين { رَبَّنَا أَتْمِم لَنَا نُورَنَا } الى الجنة قاله ابن عباس وانما يقولونه اشفاقا وإلا فقد علموا سعادتهم أو نسيانا وذهولا وعن الحسن الله متمه لهم ولكن يدعون تقربا اليه كقوله واستغفر لذنبك وقد غفر له أي على هيئة التقرب فإن الدار ليست دار عمل وقيل تتفاوت انوارهم بحسب اعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا وقيل يقوله الادنون منزلة وهم الذين يعطون من النور قدر ما يبصرون موضع اقدامهم وقيل بقوله الذين يمشون حبواً وزحفا فإن منهم من هو كذلك ومنهم من كالبرق ومنهم كالريح ومنهم كأجود الخيل ومنهم كأجود البهائم ومنهم من كالساعي والملائكة يقولون رب سلم سلم...
{ وَاغْفِر لَنَا } ذنوبنا وقد علموا بغفرانها ففيه بعض ماذكرناه في اتمم. { إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ0يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ } بالسيف { وَالمُنَافِقِينَ } بالحجة { وَاغْلُظْ عَلَيْهِم } أي على الكفار والمنافقين أي استعمل معهم الخشونة اذا بلغ الرفق حده وقال قتادة: مجاهدة المنافقين اقامة الحدود عليهم وعن مجاهد: الوعيد وقيل: إفشاء أسرارهم ولو كانوا قرابة أو أصهار لان الكفر والنفاق أوجبا لهم ذلك.
{ وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ } جهنم.