التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
-الملك

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الَّذِى خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَٰوةَ } اراد موت الانسان وحياته في الدنيا وقدم الموت لانه أقرب للقهر والتخويف واقوى داعياً الى العمل لان وراءه الجزاء أو اراد بالموت كون الشيء في حكم الميت كالتراب والنطفة والعلقة فإن هذا ونحوه هو المبدأ ثم خلق الحياة بعده أو اراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة والصحيح الاول أي اعطاكم الحياة التي تقدروا بها على العمل وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم الى اختيار العمل الحسن للجزاء والحياة ما يصح بوجوده الاحساس.
وقيل ما به يكون الشيء حياً هو الذي يصح منه ان يعلم ويقدر والموت ضد الحياة وقيل عدمها وعليه فخلقه بمعنى تقديره وقيل زوال القوة الحيوانية وابانة الروح عند الجسد، وهو نعمة لانه يفصل بين حال التكليف في هذه الدار والمجازاة في الآخرة وكذا الحياة لان بها التلذذ في الدنيا والثواب في الآخرة ويأتي الموت يوم القيامة على صورة كبش ملح على السور بين الجنة والنار فينادي ماذا تعرفون يا أهل الجنة ويا أهل النار هذا فيقولون الموت فيذبح على السور وهم ينظرون ثم يقال يا أهل الجنة ويا أهل النار خلودا لا موت وذلك بعد دخول الجنة والنار وليسوا يعرفونه قبل ذلك على صورة الكبش ولكن يلهمهم الله يومئذ فيعرفونه وذبحه هو ازالة تلك الصورة وافناؤها لان جملتها هي الموت بقدرة الله لا حيوان حلت فيه الحياة.
وعن ابن عباس: خلق الله الموت على صورة كبش ملح لا يمر بشيء فيجد ريحه إلا مات والحياة على صورة فرس أبلق وهو الذي ركب جبريل واخذ السامري قبضة من اثره فالقاها في صورة العجل فخار وحيي لا يمر شيء ميت ويجد ريحه إلا حيي.
{ لِيَبْلُوَكُمْ } ليعاملكم في الحياة معاملة المختبر الذي لا يعلم بالتكليف يجازيكم بعدها وهو سبحانه عالم بالاشياء قبل وجودها وفي الازل بلا أول والخطاب للمكلفين.
{ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أصوب عملا واخلص واطوع لله والصواب ان يكون على السنة والكتاب الخالص ان يكون لله وعن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم قرأها ولما وصل هذا قال: ايكم احسن عملا احسن عقلا واورع عن محارم الله واسرع في طاعته أي أيكم اتم عقلا عن الله وفهما للمراد وقيل: أيكم ازهد في الدنيا وهو قول سفيان الثوري وقال السدي: اكثركم للموت ذكرا واحسن استعدادا له واشد خوفا وحذرا ولله در القائل:

وفي ذكر هول الموت القبر والبلا عن الشغل للذات للمرء زاجر
ابعد اقتراب الاربعين تربص وشيب فذاك منذر لك ذاعر
فكم في بطون الارض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر
وانت على الدنيا مكب منافسٍ لخطابها فيها حريص مكاثر
على خطر تمسي وتسبح لاهياً اتدري بماذا لو عقلت تخاطر
وان امرأ يسعى لدنياه جاهدا ويذهل عن اخراه لا شك خاسر
كأنك مغتر بما انت سائر لنفسك عمدا وعن الرشد حائر
فجد ولا تغفل فعيشك زائل وانت الى دار المنية صائر
ولا تطلب الدنيا فإن طلابها وان نلت منها ثروة لك ضائر
وكيف يلذ العيش من هو موقن بموقف عدل حين تلْي السرائر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت لعزة ذي العرش الملوك الجبابر

وجملة { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } مفعول ثاني ليبلو لتضمن معنى العلم وليس من التعليق بالاستفهام لان التعليق ان يوقع بعد العامل جملة سدت مسد مفعولين وقيل تعليق.
{ وَهُوَ العَزِيزُ } الغائب الذي لا يعجزه من اساء العمل { الغَفُورُ } لمن تاب.