التفاسير

< >
عرض

كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ
٢٤
-الحاقة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ كُلُوا } يقال لهم كلوا ما شئتم { وَاشْرَبُوا } ما شئتم فحذف المفعول للتعميم { هَنِيئاً } مصدر مفعول مطلق بتقدير مضاف محذوف أي اكل هنيء وشرب هنيء فناصبه احداهما ويقدر للآخر على غير التنازع او على التنازع فيقدر للمهمل ضمير او بتقدير منعوت أي اكلا هنيئا وشربا هنيئا فهو لاحدهما ويقدر للاخر لا على التنازع لان النعت لا يكون ضميرا والنعت بالمصدر مبالغة او بتقدير مضاف او تأويل المصدر بالوصف او هنيئا صفة بمعنى اسم فاعل او اسم مفعول ويجوز كونه نعتا لاكل وشرب على المصدرية لصلاحية المصدرية للواحد غيره وعلى الوصفية اذا قلنا انه بمعنى اسم الفاعل لصلاحتيه لذلك لانه بوزن فعيل.
ويجوز كونه حالا على المصدرية للمبالغة او للتأويل بمضاف او وصف ويجوز ايضا على انه وصف والافراد لكونه مصدرا او وصفا بوزن فعيل ومعناه فاعل ويجوز كونه مصدرا لمحذوف أي هنئتم هنيئا واذا امتلأت بطونهم قيل لهم هنيئا فيرشحون مسكا لابول ولا غائط { بِمَا أَسْلَفْتُمْ } قدمتم من الاعمال الصالحة { فِى الأَيَّامِ } ايام الدنيا { الخَالِيَةِ } الماضية وعبرت بالايام وهي جمع قلة ولم يقل في السنين او الشهور او نحو ذلك اشعار بان زمان الدنيا قليل قد استوجبتم به هذا النعيم الكثير وعبر بالخالية اشعارا بانهم استوجبوا الدائم بالمنقطع وعن مجاهد الايام الخالية ايام الصيام أي كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه الله.
قيل: يقول الله يا اوليائي طالما نظرت اليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم أي ارتفعت وبعدت عن الاشربة وغارت اعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا بما اسلفتم في الايام الخالية ونظر الله علمه وقيل الايام ايام صوم شهر رمضان والايام البيض جاء في الحديث
"انه يوضع للصوام يؤمئذ موائد يأكلون ويشربون والناس في الحساب فيقال يا ربنا الناس في الحساب وهؤلاء يأكلون فيقال لهم طال ما صاموا في الدنيا وانتم مفطرون وطالما قاموا وانتم نائمون" .
والحق ان المراد بالايام ايام الطاعة مطلقة أي طاعة بدليل آية اخرى { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } ولانه الظاهر وعن عمر بن الخطاب: (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا فانه أهون وأيسر لحسابكم وزنوا انفسكم قبل ان توزنوا وتجهزوا للعرض الاكبر يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية) وعن الحسن: ان المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله وانما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا انفسهم في الدنيا وانما شق الحساب يوم القيامة على قوم اخذوا هذا الامر في غير محاسبة.