التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٢٩
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالُوا أوذينا } ضررنا بالأعمال الشاقة والهوان، والجزية وقتل الأبناء { مِنْ قَبلِ أنْ تَأتِينَا } بالرسالة { ومِنْ بَعْد ما جئْتَنا } بها، وذلك منهم شكوى بعموم الإيذاء وعدم انقطاعه، لا كراهة للرسالة، فإن كراهتها كفر أو استبطاء للوعد، فإن موسى وعدهم النصر فظنوه عاجلا، فلما رأوا أن الشدة زادت، وكان يستعملهم إلى نصف النهار بأعمال شاقة، وبعد مجيئه بالرسالة وأمر العصا، أعاد على أبنائهم القتل، واستعملهم النهار كله، وكلفهم عمل الطوب بلا تبن ليشق، قالوا ذلك.
وبعد فإن بنى إسرائيل مضطربون على أنبيائهم قليلو الصبر واليقين، فلا بعد فى كراهتهم الرسالة لازدياد العذاب بها، وليس كل بنى إسرائيل مؤمنين، وقال السدى، وابن عباس فى رواية عنه، قالوا ذلك حين اضطرهم فرعون إلى بحر الفلزم، فهو أمامهم وفرعون خلفهم.
{ قالَ عَسَى } ترجية وإطماع من مجرد نفسه، أو بوحى من الله كما قال الحسن: عسى من الله واجبة، أو عبر بعسى لأنه لم يدر أنهم المستضعفون أم أولادهم { ربُّكم أنْ يُهلكَ عَدوَّكم } فرعون أو فرعون وقومه، فإن العدو يطلق على الواحد والجماعة، وهلاكه هلاك لهم { ويسْتَخلفكُم فى الأرْض } هذا تصريح لهم بما كنا عنه بقوله:
{ { استعينوا بالله واصبروا إن الأرض } الخ لما رآهم لم يكتفوا بالكناية، وكان يدعو نفوسا نافرة تستعجل ما تحب.
{ فينْظُر كَيفَ تعْمَلونَ } أخَيْراً فيجازيكم بجزائه أو شراً فيجازيكم بجزائه كما يجازيهم على شرهم، والله عالم بما يعملون قبل أن يعملوه، لكن قال ذلك لأن قطع العذر والجزاء على العمل.
روى أن عمرو بن عبيد دخل على المنصور قبل الخلافة، وعلى مائدته رغيف أو رغيفان، فطلب زيادة له فلم توجد فقرأ عمرو الآية، ثم دخل عليه بعد الخلافة فذكر له المنصور ذلك، يريد أن الله قدر لى ما ترجيته لى من الاستخلاف، فقال عمرو: قد بقى فينظر كيف تعملون يريد وعظه بأنك مجازى على العمل فلا تعمل إلا خيراً.
وعن ابن عباس: لما آمن السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بنى إسرائيل، وبقى كما قال مقاتل فى رواية النقاش بمصر بعد إيمان السحرة نحو عام يريهم الآيات، وقيل: عشرين سنة.