التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فإذا جاءتْهُم الحسَنةُ } من خصب وسعة ورزق، وعافية وسلامة من الآفات، وعرفت الحسنة، وجىء بأداة التخفيف وهى إذا لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه، وكونه الأصل بعد خلق من احتاج إليه فإيجاده تعلقت به الإرادة بالذات { قالُوا لنا هذه } أى هى لأجلنا، ونحن لها أهل على العادة الجارية لنا فيها.
{ إنْ تُصِبْهم سيِّئةٌ } من جدب وقلة رزق وبلاء، ونكر السيئة وجىء بأداة الشك وهى إنْ لندور السيئة، وكون الأصل عدمها بعد خلق من لا يستقر معها، فإيجادها إنما هو تبع لأعمالهم جزاء عليها، ومنه قول بعضهم: قد عددت أيام البلاء، فهلا عددت أيام الرخاء، يعنى قد قدرت على عد أيام البلاء، ولا تقدر على عد أيام الرخاء، فإنها أكثر من أن تعد، وقد تكون السيئة لتوفير الأجر ومحو الذنب، والحسنة استدراجا وابتلاء كما كانت لقوم فرعون قال الشاعر:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظُمت ويبتلى الله بعض القوم بالنعم

{ يطَّيَّروا بموسَى ومَنْ مَعه } يتشاءموا بهم ويقولوا: هذه إصابتنا بشؤمهم، وقد قرأ مجاهد يتشاءموا، والأصل يتطيروا أبدلت التاء طاء وسكنت وأدغمت، وقرأ عيسى بن عمر، وطلحة بن مصرف: تطيروا بالياء وتخفيف الطاء على الأصل لكن بالماضى { ألاَ إنَّما طائِرهُم } أى سبب خيرهم وشرهم، وهو أعمالهم، وعن ابن عباس: نصيبهم يعنى ما قضى لهم أو عليهم، وقيل: سبب شؤمهم، وعن ابن عباس: طائرهم شؤمهم، وذلك كله مأخوذ من زجر الطائر فيمشى يمينا أو شمالا، وكانت العرب وغيرهم يعتقدون أن خيرهم وشرهم بحسب ما فى الطائر، وقرأ الحسن: طيرهم وهو اسم جمع لطائر كراكب وركب، وقال أبو الحسن الأخفش: جمع تكسير.
{ عِنْدَ اللهِ } مكتوب عنده وهو أعمالهم، فإن كانت خيرا فهى سبب خيرهم، وإن كانت شراً فهى سبب شرهم وشؤمهم وهو الواقع، وما أصابهم من خير فاستدراج، أو سبب شرهم وشؤمهم عند الله وهو عملهم المكتوب عنده، الموجب لما يسوءهم دنيا وأخرى، أو سبب خيرهم وشرهم بمشيئة الله، وهو الذى شاء ما يصيبهم من حسنة وسيئة، وليس يُمن أحد أو شؤمه سببا فيه، أو الشؤم العظيم هو الذى لهم عند الله فى الآخرة.
{ ولكنَّ أكْثرهُم لا يعْلَمون } أن الكل من الخير والشر من عند الله، قل كلٌّ من عند الله، أو أن الشر من شؤم أعمالهم، وكانوا يضيفونها لأسباب، وعبر بالأكثر وأراد الجميع تجوزا، أو لأن بعضهم قد علم، أو لأن فيهم من آمن كمؤمن آل فرعون، وآسية امرأته رضى الله عنهما على القول بأنهما منهم، أو لأن من رأى كثرتهم يخالجه الشك أن فيهم من يعلم، فأتى بلفظ الأكثر نظرا إلى هذا الإمكان المخالج للبشر كالتحرر، أو المضارع للاستقبال لا للاستمرار، أى وأما القليل فسيعلم بأن يوفقه الله للإيمان، أو يلهمه ذلك، وأجيز أن يكون المعنى أكثرهم لا يمكن أن يعلم لإنعامه فى الكفر وبعده، والقليل بخلاف ذلك، قيل: ويجوز أن يكون الضمير فى طائرهم لجميع الناس، فيجئ تخصيص الأكثر على ظاهره.