التفاسير

< >
عرض

وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومِنْ قَوم مُوسَى } بنى إسرائيل { أمةٌ } جماعة { يَهْدُونَ } الناس { بالحقِّ } حال، أو متعلق بيهدون، وهو مثل التوحيد والصلاة وغيرهما، وهم أيضا فى أنفسهم مهتدون كما يدل عليه المقام، فإنه مقام مدح وإرضاء لموسى، فلو كانوا هداة لغيرهم غير مهتدين فى أنفسهم لما مدحوا ولما وقع بهم الإرضاء { وبهِ } لا بغيره، وتقديمه للحصر والفاصلة { يعْدِلونَ } يحكمون فيما بينهم، فالحق المذكور شامل لما ليس من أمر الحكومة كالتوحيد والصلاة، ولما هو من أمر الحكومة كالحكم بالقتل، والحكم بين المتنازعين، ومن عادة القرآن تعقيب ذكر المبطلين بذكر المحقين، وذكر المحقين بذكر المبطلين، تنبيها على تزاحم الخير والشر، والحق والباطل، ما أراد الله بالناس خيرا وإذا أراد بهم شرا اتفقوا على الشر والباطل.
وهؤلاء القوم هم من ثبت على دين موسى من أهل زمانه وبعده أخبر أن فى بنى إسرائيل، على شدة عوهم وخلافهم، من ثبت على الدين، وقيل: هم من كان فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم وآمن به، ككعب وعبد الله بن سلام وغيرهما، ممن آمن بجميع الكتب والأنبياء، واعترض بقلتهم، فلا يسمون أمة، ويجاب بجواز تسمية الثلاثة أمة، بل أجيز أيضا تسمية الاثنين جماعة، وقد فسروا الأمة بالجماعة، وأيضا لو سلمنا أنه لا تسمى أمة إلا الكثير، فإنهم سموا أمة تعظيما لإخلاصهم وتشبثهم فى الدين، ولمخالفتهم سائر اليهود، والمخالف للكثير يسمى فى اللغة أمة، ولو واحدا وفى ذلك استجلاب وترغيب للباقين فى الإسلام.
وقال السدى، وابن جريج وغيرهما: إنه لما قتلوا أنبياءهم، وتفرقوا اثنى عشر سبطا، اعتزل منهم سبط وتمسكوا بدين الله، وسألوا الله أن يبعدهم، ففتح لهم سربا فى الأرض، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين، وساروا فيه على ما رواه الطبرى، عن ابن جريج، عن ابن عباس سنة ونصفا، فهم هنالك حنفاء مستقبلون قبلتنا.
قال السدى، وابن جريج: هم خلف وادٍ من شهد، وقال الكلبى، والضحاك، والربيع: قوم خلف الصين بأقصى المشرق على نهر يجرى بالرمل يسمى أردان، مستوون فى المال، لا يحبون الزيادة فيه، يمطرون بالليل ويصحون بالنهار، ويزرعون ولا يصلهم أحد منا، وإنما جاءنا خبرهم بإخبار النبى صلى الله عليه وسلم عنهم، وقد كلمهم ليلة الإسراء، فقال جبريل: هل تعرفون من كلمكم؟ قالوا: لا، قال: إنه محمد النبى الأمى فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا أن من أدرك منكم محمداً فليقرئه السلام، فرد عليه السلام.
وإنما أوصاهم بذلك لأنه لا يعلم أنه سيجتمعون به فى السماء السادسة، أو علم وأوصاهم رغبة، وأقرأهم عشر سور مما نزل عليه بمكة وقد نزل عليه أكثر، واقتصر عليها، وأمرهم بالصلاة والزكاة، ولو كان فرض الزكاة بالمدينة إذ لا مانع من أن تفرض على هؤلاء قبل غيرهم، لتعذر الوصول إليهم بعد ذلك، بل قال بعض العلماء: إن الزكاة فرضت بمكة، بقيد أن الإخبار بها والحمل عليها لا يكون بمكة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، ويتركوا السبت ويأخذوا بالجمعة، وليس ذلك ببعيد، وقد صح أنه نزل ليلة الإسراء بالمدينة ومدين وبيت لحم، وصلى فيهن، وليس بعيدا عن قدرة الله أن يمر بهؤلاء ولو لم يكونوا على طريقه بأن يعدل إليهم، نعم ذلك كلام لم تروه الثقات أعنى كلام القوم وراء الصين، وكونهم المراد بالآية، فالمختار القول الأول ويليه الثانى.