التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
١٦
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ فَبما أغْويتَنِى } الباء للقسم والجواب { لأقعُدنَّ لهم } للناس، وما مصدرية، أى فبإغوائك إياى، او اسم موصول واقعة على الإغواء، فبالإِغواء الذى أغويتنيه، وإنما أقسم بالإغواء، لأنه تكليف، والتكليف من أحسن أفعال الله لكونه تعريضا لسعادة الأبد، فكان جديراً بأن يقسم به، أو الباء للتعليل متعلقة بفعل القسم المحذوف مع المقسم به، أى أقسم بالله لإغوائك إياى أو للإغواء الذى أغويته، وإنما لم تعلق بأقعد لأن للام جواب القسم الصدر.
والمراد أنى أجتهد فى إغوائهم لإغوائك إياى بواسطتهم حتى يفسدوا كما فسدت، ويسموا غواة كما سميت غاوياً لارتكابهم الغى، وأزينه لهم، وألزمهم بفعل ما غويت لأجله وهو المعصية والكبر، فيفسدوا بى كما فسدت بهم، وقيل ما استفهامية ثبت ألفها مع حرف الجر شذوذاً، بل على لغة ضعيفة، فيعلق بأغويتنى، فقوله: { لأقعدن } مستأنف بقسمة المقدر، والإغواء الإضلال مطلقا، وفسره الحسن باللعن، وبعض بالتخييب، وبعضهم بالإهلاك، وأصل الغواية الفساد، يقال غوى الفصيل إذا بشم، والبشم فساد، وغوى انقطع عنه اللبن فمات، وغوى فلان مرض.
{ صِراطَكَ المسْتقِيمَ } النصب على الظرفية أى فى صراطك المستقيم، لأنه غير مخصص فهو مبهم، لأن المراد به أنواع الخير كالإيمان والصلاة والصوم والزكاة، أو منصوب على نزع فى، ويحتمل الوجهين قوله:

لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب

أى هو رمح لدن أى لين يعسل أى يضطرب بهز الكف متنه، أى ظهر ذلك الرمح فيه أى فى الكف مذكر كما يؤنث، وتأنيثه أولى، كما عسل أى اضطرب الثعلب فى الطريق، ويحتمل الأوجه قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن بنصب الظهر والبطن والباء للمفعول، وقيل: الآية على تقدير على أى على صراطك المستقيم، وإنما سمى أنواع الخير صراطاً أى طريقا لأنها توصل إلى الجنة ورضا الله، فكان يقعد لهم يصدهم عنها بالوسوسة وتزيين المعصية والشهاوى، قال الحسن: ليس من هذا الخلق شىء إلا وقد توجه حيث وجه، ولولا قعود الشيطان لابن آدم على الطريق لتوجه كما توجه سائر الخلق.
وقيل الصراط المستقيم التوحيد، وقيل: طريق مكة يمنعهم من الهجرة، وبه قال عون بن عبد الله ووصفه بالاستقامة، لأن الهجرة سبب الفلاح، وقيل: طريق الحج والصحيح التعميم وفى الحديث:
"يقول الشيطان للإنسان أتسلم وتذر دين آبائك فيعصيه ويسلم فيقول لتهاجر وتذر أرضك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس فى الطول، يعنى ما يتحمل إلا ما يتحمل الفرس فى شوط ثم يعجز ويندم فيعصيه، فيهاجر ويقول: أتجاهد بنفس ومال فتقتل وتنكح المرأة، ويقسم المال فيجاهد، فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة" وفى رواية: "لتهاجر فتدع أهلك وبلدك وتجاهد فتقتل وتترك ولدك" .
حكاية: ذكرت المجبرة عن طاووس أنه كان فى المسجد الحرام، فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر، فجلس إليه، قال له طاووس: تقوم أو نقوم، فقام الرجل فقيل له: أتقول هذا لرجل فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، قال: { رب بما أغويتنى } وهذا يقول: أنا أغوى نفسى، يعنى فيما قالت المجبرة تصويب قول إبليس أن الله أغواه وأنه أجبره على الغواية، وتخطئة الرجل فى قوله: إنى أغوى نفسى، وليس بشىء لجواز أن يريد إبليس أن الله أغواه باختياره لا جبراً وهو الحق، وإن يريد الرجل أغوى نفسى باكتسابى واختيارى، وخالق الغواية الله وهو الحق، وعن محمد بن كعب القرظى فيما حكى الطبرى: قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم، يريد أنه علم أن الله يهدى ويضل.