{ وإذْ } واذكر يا محمد إذ { تأذَّنَ ربُّكَ } ويجوز العطف على إذ، ومعنى تأذَّن علم وهو تفعَّل بمعنى فعل، فكأنه قيل أذن أو معناه أعلم الملائكة أو غيرهم، فكأنه قيل آذن بلد كأوعد وتوعد بمعنى، أو معناه عزم، والعازم على الشئ يؤذن نفسه بفعله، وقال مجاهد: معناه قال، وعنه معناه أمر، وقالت فرقة: معناه أقسم، وعليه فقوله: { ليبعَثنَّ } جواب له، وعلى الأوجه قبله فهو جواب لقسم محذوف، أو لذلك الفعل، لأن علم الله وإعلامه وعزمه، وقوله وأمره متأكدة، وقد نص غير واحد من النحاة أن أفعال التحقيق كعلم وعزم وحتم وكتب على نفسه تجاب كالقسم، لأنها فى التأكيد مثله، لكن وصف الله بالعزم مجاز عبر باللازم وهو الإيذان عن الملزوم وهو العزم، ومعنى عزنه قضاه وحتمه، ولا يخفى بعد كون تأذن بمعنى أقسم عن اللغة إلا إن قيل: إنه مجاز.
{ عَليْهِم } أى على اليهود مطلقا { إلى يومِ القيَامَةِ } متعلق بيبعثن أى يسلطن، ولذلك عدى بعلى، ويحتمل أن يكون تعدية بإلى لكون المراد به الاستمرار التجددى { مَنْ يَسومُهم سُوء العَذابِ } وقد سامهم بخت نصر وسنحاريب وملوك الروم سوء العذاب، وكذا غيرهم، وما زالوا يعطون الجزية للمجوس حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم واستمرت، ولا يزالون فى ذل، فسوء العذاب يشمل الذل والجزية، وكل إهانة وسبى وغنيمة، ومذ فعل بهم ذلك بخت نصر.
قال ابن المسيب: يستحب أن يتعب اليهود فى الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم افتقرت فباعت اليهود الساكتة معهم، وأما العزة التى تصيبهم عند الدجال فتدريج إلى إهانة لم تتقدم لهم، وذلك يعتزون عنده فيجتمعون عنده، فيقتل الدجال ويقتلون عن آخرهم، وزعم بعضهم: أن المراد بهؤلاء الذين يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب من فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده من اليهود، يسامون بالذل والهوان والجزية، ونسب هذا لابن عباس، والصحيح أن المراد اليهود مطلقا فى أى زمان، ولو كانوا مؤمنين، لكن من آمن لا يصيبه إلا هذا العذاب الدنيوى، إلا من آمن فى عصر نبينا أو بعده، فلا ذل عليه ولا إهانة ولا جزية، وقيل: المراد من لم ينه.
{ إنَّ ربَّكَ لسَريعُ العِقابِ } وقد عاجل عقابهم فى الدنيا، ويوصل به عقابهم فى الآخرة { وإنَّه لغفورٌ رَحيمٌ } لمن تاب منهم فلا عقاب عليه فى الآخرة، ولو أصابهم فى الدنيا.