التفاسير

< >
عرض

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ كِتابْ } مبتدأ ونكر للتعظيم، وصح الابتداء بالنكرة للتعظيم.
{ أنزلَ إليكَ } خبر وجملة المبتدأ والخبر جواب القسم، إذا جعلنا المص اسما لله أو للسورة أو للقرآن وجعلنا قسما، ويجوز جعله مبتدأ إذا كان اسما للقرآن وللسورة خبره كتاب، وعليه فأنزل إليك نعت لكتاب، والمراد بالكتاب القرآن، وإن قلت: فكيف يخبر به عن السورة؟
قلت: على جهة المجاز، فإنها بعضه، فكأنه قيل: بعض كتاب أو على المبالغة أو على إرادة أنها كلام مكتوب فى اللوح المحفوظ، وقيل: كتاب خبر لمحذوف، أى أو هو هذا كتاب، وأنزل إليك صفة.
{ فَلا يَكُن فى صَدْرك حَرجٌ } أى ضيق { مِنهُ } أى من تبليغه مخافة أن تكذب فيه، أو من القيام بحقه مخافة التقصير فيه، فإنه برهان لا يكذبه أحد إلا عناداً وجحوداً، وأنا موفقك على القيام به، أو الحرج الشك، فإن الشاك حرج الصدر، والضيق لازم الشك، وعلى هذا فالنهى عن الشك تأكيداً أى دم على ما أنت عليه غير شاك، ومراد به غيره صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو بمعزل عن الشك، فإنه موقن أنه من الله تعالى، والفاء للاستئناف، فإن الجملة المعترضة مستأنفة أو لعطف الطلب الفعلى على الإخبار الاسمى، إذا جعلنا العطف على الجملة الاسمية، أو على الإخبار الفعلى إذا جعلنا العطف على أنزل إليك، أو لربط جواب شرط محذوف، أى إذا أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه، واعلم أن الأصل توجيه النهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم مثلا بأن يقال: لا تحرج منه، ولكن وجه إلى الحرج تأكيدا كقولهم: لا أرينك هاهنا، الأصل لا تكن هاهنا.
{ لتُنْذر بهِ } اللام متعلق بأنزل، فالجملة معترضة، والأصل أنزل إليك لتنذر به { وذِكْرى للمؤمنِينَ } فلا يكن فى صدرك حرج منه، وإذا جعلت جملة فلا يكن فى صدرك حرج منه جوابا لمحذوف، فجموع أداة الشرط والشرط والجزاء معترضة أيضا، أو متعلق بلا الناهية لا بهاء بمعنى الترك والانتفاء، فإنه إذا لم يخف تكذيبهم، أو علم أنه موفق للقيام به تبليغه، أو أيقن أنه من الله شجعه ذلك على الإنذار، ولا سيما اليقين، فإن صاحبه جسور متوكل على ربه، وذكرى بمعنى التذكير معطوف على مصدر تنذر، فهو مجرور بفتحة مقدرة على الألف وهى ألف مقصورة، ومفعول مطلق لمحذوف، أى ولتذكر به ذكرى، أو معطوف على كتاب مبالغة حيث جعل القرآن نفس تذكير أو خبر لمحذوف مبالغة أيضا، أى هو ذكرى، وعلى هذا الأخير يصح كون الجملة معطوفة أو حالا، فجملة فلا يكن فى صدرك الخ معترضة على ما مر، وكونها مستأنفة فجملة فلا يكن الخ غير معترضة بالنسبة إليها، فإن محلها على هذا بين قوله: { لتنذر به } وبين قوله: { وذكرى } وللمؤمنين نعت لذكرى.
وإن جعلت ذكرى مفعولا مطلقا صح أن يكون نعتا لذكرى، بقطع النظر عن العامل المقدر، وأن يكون مفعولا لذكرى لنيابته عن العامل المقدر، وأن يكون مفعولا للعامل المقدر، واللام زائدة على هذين الوجهين مقوية، وإن قلت: تقويتها بالنظر إلى المفعولية لذكرى واضحة، لأنه ليس فعلا، فما وجه تقويتها بالنظر إلى المفعولية للعامل المقدر؟
قلت: وجهها أن العامل المقدر قد لحقه ضعف بالحذف، والاكتفاء عنه بذكرى، ومفعول تنذر محذوف للتعميم، أو تقديره أى لتنذر به المشركين والمنافقين، فالإنذار لهم والتذكير للمؤمنين، فإنه بعد نزول بعضه قد وجد المؤمن والمشرك والمنافق، فما نزل بعد ذلك فإنذار لهما وتذكير للمؤمن، لكن النفاق لم يوجد إلا بعد الهجرة، أو تقديره لتنذر به المؤمنين، وخصوا به لأنهم المنتفعون على حد
{ { لينذر من كان حياً } }.