التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٣
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإلَى ثمودَ } قبيلة سميت بذلك لقلة مائها، والثمد الماء القليل، وقيل: سميت باسم أبيها ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عائد، قيل: ولد شالح عابر المذكور بعد أن مضى من عمره ثلاثون سنة، وهم عاد الأخيرة، وقرأ يحيى بن وثاب: ثمود بالصرف إما نظرا إلى الأصل فإنه اسم لأبيهم، أو للماء القليل فى الأصل، أو لتقدير مضاف أى إلى أولاد ثمود، أو لتأويله بالحى، وكذا قرأ فى جميع القرآن، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادى القرى وما حوله، وكل من عاد وثمود عرب.
{ أخَاهُم } فى النسب، قال الزجاج يحتمل إخوة الآدمية: فسمى أخا لأنه بعث إليهم { صَالحاً } وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح ابن عبيد بن حاذر بن ثمود، قال بعضهم: هود وصالح وإسماعيل عربيون، لكن العربية فصحى لإسماعيل ومن بعده.
{ قالَ يا قَوم اعْبدُوا اللهَ } وحدوا الله، ويلزم من توحيده أن يعبدوه، أو المعنى تقربوا إليه بأداء الفرض وبالنفل، وذلك يتولد عن توحيده { ما لكُم من إلهٍ غَيرهُ } فيه ما مر وكأنه قيل: ما الدليل على حجة ذلك فقال:
{ قَد جاءتْكُم بينةٌ من ربِّكُم } دليل قاطع على صدقى فيما دعوتكم إليه ونبئونى، وليس هذا من أول ما قال لهم، فإن هذه البينة هى الناقة، قال ذلك بعد خروجها أو قبله بقليل تحقيقا لخروجها واستحضارا له، كأنه مشاهد والبينة الدليل أو البرهان، وأصله وصف تغلبت عليه الاسمية هنا، أو باق على الوصفية لاشتهار موصوفها، أى آية أو حجة أو موعظة بينة، وكأنه سئل ما هذه الآية فقال:
{ هذِه ناقةُ اللهِ لكُم آيةً } وذلك على أنه اقترحها لهم، أعنى الناقة أو سألوه إياها فقال: قد جاءتكم بينة فلا يدرون ما هذه البينة، لعلها غير ما سألوه، وإنا على ما اشتهر من أنه سألوه إياها فقال لهم: نعم، فصلى فخرجت فلا يتأتى أن يسألوه ما هذه الآية، لأنهم قد علموها بسؤالهم إياها، وقوله: نعم، إلا أن ظنوا أو شكوا هل هى ما طلبوه من الناقة أو غيرها؟ وناقة خبر، ولكم حال من آية وآية حال من ناقة، عمل فيها معنى الإشارة أو لكم خبر ثان، وآية حال من ضمير الاستقرار فيه، أو من ناقة، أو ناقة بدل أو بيان، ولكم خبر، وآية حال من الضمير فيه، وهى ولو كانت آية لهم ولغيرهم، لكنهم هم الراءون لها، وليس الخبر كالعيان، ولأنها فى شأنهم، أو لأنهم سألوها فقيل لكم مقدما للحصر على آية، لأن غيرهم لا يقطع عذرهم بها، بل بغيرها.
وإنما أضيفت لله تعظيما لها، ولأنها جاءت من عنده بلا فحل وبلا ناقة طروقة، خلقت فى ساعة وخرجت من صخرة، ولأنها حجة الله عليهم ولأنها لم يجر عليها ملك أحد، ووجه كونها آية خلقها فى صخرة فى ساعة، وخروجها وعظمها أو حلبهم منا ما شاءوا، وقيل: شربها ماء البئر كله وحدها، وهذا يغنى عنه عظم وإنما يكون معجزة لو كانت فى قدر الناقة، وكانت تشربه كله، وقد صح أنها عظيمة كما يأتى إلا إن كان صاحب هذا القول يقول إنها فى قدرة الناقة.
وقيل: إن صالحا عليه السلام أخذ ناقة من سائر النوق وجعل لها شرب يوم، ولهم شرب يوم، فالآية فى شربها الماء كله وحليها، وقال النقاش، عن الحسن: ناقة من إبلهم لم تكن تحلب، فالآية فى الشرب وحلبها وهى لا تحلب، وحلب ما شاءوا منها والأصح ما اشتهر أنها خرجت من الصخرة ومن الآية على كل قول ما قيل أن الدواب والوحش تمتنع الشرب فى يوم شربها بدون صاد لها عن الماء.
{ فَذَرُوها تأكُلْ فى أرضِ اللهِ } العشب فإنها ناقة الله، والأرض أرض الله، والعشب عشب الله، أخرجه بلا زجر منكم، مع أنه لو خرج بما زجرتموه، فأنتم وما بأيديكم ملك لله، وقرأ أبو جعفر برفع تأكل فى رواية، فالجملة حال { ولا تمسُّوها بسُوءٍ } كمنع من ماء أو حشيش وكضرب وقتل وطرد ونقص من ماء يومها، هذا هو الصحيح، وقيل: المراد القتل { فيأخُذكُم عذابٌ أليمٌ } موجع، والنصب فى جواب النهى، نهاهم عن المس بالسوء مبالغة إذ لم يقل لا تسوءها، وسوء عام نكرة فى سياق السلب، وفى ذلك إزالة للعذر إذا مسوها بالسوء.