التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ
٧٩
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فتولَّى } أعرض { عَنْهم } عقب هلاكهم { وقَالَ يا قَوْم لَقَد أبلغتُكم رسالاتِ ربِّى ونَصحتُ لكُم ولكنْ لا تُحبُّون النَّاصحِينَ } وذلك أن كلام الناصح صعب لمضادته لشهوة المنصوح، وإنما كلم الموتى تفجعا عليهم وتحسراً على إيمانهم، أو لأنهم يسمعونه توبيخا وتقريعا، وقد اشتهر " "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم موتى بدر الكفرة بعد إلقائهم فى القليب: يا فلان يا فلان إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ وقال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أقواما موتى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يجيبون" كما يأتى إن شاء الله.
وفى خطاب صالح بذلك عبرة لمن يأتى وزجر، وقيل: تولى عنهم وهم أحياء، وخاطبهم بذلك أحياء قبل نزول العذاب، والصحيح عندى الأول، وأما الثانى فترده الفاء إلا أن يقال: الترتيب الذكرى، أو بمعنى الواو العاطفة المقدم على الآخر، ولا دليل له فيما قيل إنه لم تهلك أمة ونبيها، فإن معناه ونبيها بينهم، وأما أن تهلك هو بمعزل عنهم، خارج عنهم فواقع، نعم يتعين ذلك القائل الثانى أن الأصح ما روى أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فما أقام بها حتى صيح عليهم.
قال فى عرائس القرآن: عزت ثمود وكثرت بعد عاد، وجعل أحدهم يبنى المسكن من المدر فيهدم وهو حى، فاتخذوا الجبال بيوتا، وكانوا فى سعة معاش وخالفوا أمر الله، وعبدوا غيره، فبعث الله إليهم صالحا وهو شاب يدعوهم حتى كان أشمط، وما آمن إلا قليل مستضعفون قلت: وقيل: بعث إليهم وهو غلام، فكان يدعوهم حتى شمط.
وقيل: بعث إليهم لأربعين عاما من عمره، وبقى فيهم عشرين عاما، ولما ألح عليهم صالح بالدعاء وأكثر التحذير والتخويف سألوه أن يريهم آية تكون مصدقة لما يقول، ويعتبرون بها، قال: أى آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا، وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم فى يوم معلوم من السنة، فتدعو إلهك وندعوا إلهنا، فإن استجاب لك اتبعناك أو لنا اتبعنا، قال: نعم، فخرجوا بأصنامهم إلى عيدهم فدعوا أن لا يستجاب لصاللح فى شىء مما يدعو به.
ثم قال جندع بن عمرو بن حواش، وروى جدع بإسقاط النون بعد ما دعوها ولم تستجب، وهو سيد ثمود: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة، وكانت صخرة منفردة عن البلد فى ناحية البحر يقال لها الكاثبة، وقيل: قالوا من هذه الهضبة وهى أيضا الصخرة أخرج ناقة مخترجة، أى على صورة البعير جوفاء، أى لها بطن كبير، أو فى بطنها جنين وبراء، أى لها وبر، فإن فعلت ذلك صدقناك، فأخذ عليهم الميثاق على ذلك، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت الصخرة تمخض الثلوج لولدها، وتحركت فانصدعت عن ناقة مخترجة جوفاء وبراء كما قالوا عشراء أى أتى عليها عشرة أشهر منذ نتجت، لا يعلم ما بين جنبيها وعظمها إلا الله، وخرج معها سَقَبها بفتح السين والقاف، وهو ولد الناقة الذكر.
وقيل: خرجت وهى حامل به ثم ولدته وهو مثلها فى العظم، وقد فسر بعضهم العشراء بالتى أتى عليها عشرة أشهر منذ حملت، فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به، فنهاهم دواب بن عمرو بن لبيد، وروى ابن لبيب والحباب صاحبا أوثانهم، وربان بن صمغر كاهنهم، وكان لجندع ابن أم له اسمه شهاب أراد أن يؤمن فنهاه هؤلاء.
وقيل: خرجت الناقة وحدها غير حامل، وضاربها جمل من جمالهم فحملت بفصيلها المشهور، ولما خرجت قال لهم:
{ { هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } فكانت ترعى هى وولدها، وإذا كان يومها وضعت رأسها فى بئر الحجر يقال لها بئر الناقة، فيرتفع الماء إليها فما ترفع رأسها حتى يفرغ الماء، ولم تبق فيها قطرة، ولعل فصيلها يشرب مما يجتمع بعد ذلك فى اليوم أو من غيره أو فى يومهم.
وقيل: إن ماءهم من جبل لآخر تشربه كله فى يومها لعظمها، وإذا شربت وسعت ما بين رجليها فيحلبون ما شاء من لبن ويشربون ويملئون أوانيهم، ويدخرون، وتصدر من غير الفج الذى وردت منه لضيقه عنها بعد شربها.
قال أبو موسى الأشعرى: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا، وإذا كان الغد شربوا هم ودوابهم وادخروا ليومها، وكانوا منها فى ساعة ونصف بظهر الوادى، فتهرب أغنامهم ودوابهم كلها خوفا منها إلى بطنه فى حر وجدب، وتشتوا فى بطنه فتهرب دوابهم إلى ظهره فى برد وجدب، فأضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار، وكانت الناقة ترعى وادى الحجر كله، وشق ذلك عليهم وقالوا: ما نصنع باللبن، الماء أحب إلينا منه، نسقى حروثنا به، ونستقل به نحن ودوابنا، وننتفع وحدنا بالحشيش، وحملهم ذلك على عقرها.
وكانت امرأة من ثمود يقال لها: عنيزة بنت غنم بن مخلد، وكانت عجوزا مسنة ولها بنات حسان ومال كثير من الإبل والبقر والغنم، وامرأة أخرى يقال لها: صدق بنت المحيا بن دهر، وقيل بنت المختار ابن دهر، وكانت غنية جميلة ذات مواش كثيرة من إبل وبقر وغنم، وكانتا شديدتى العداوة لصالح عليه السلام لماشيتهما.
وكانت صدوق عند ابن خال لها يقال له: خيثم بن مراوة بن سعيد ابن الغضريف بن هليل، أسلم وحسن إسلامه، وقد وضعت مالها عنده فأنفقه على من أسلم، فعاتبته على ذلك وما بقى إلا قليل، فأظهر للها دينه ودعاها إلى الله فأبت وشنعت، فأخذت أولادها منه فغيبتهم فى بنى عبيد الذين هى منهم، فقال لها خيثم: رديهم علىَّ، فقالت: لا، وألح عليها، فقالت: حتى أنافرك إلى بنى عبيد وبنى جدع بن عبيد، فقال خيثم: أنافرك إلى بنى مرداس بن عبيد وهم مسلمون، فقالت: لا أنافرك إلا لمن دعوتك إليهم، فقال لها: بنو مرداس والله لتعطينهم له طائعة أو كارهة، فأعطته إياهم.
ثم إن صدوق وعنيزة تحيلتا فى عقرها للشقاء الذى كتب الله عليهما، فدعت صدوق رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقرها، وعرضت عليه نفسها إن فعل فأبى، فدعت ابن عم لها يقال له: مصدع بن مهرج بن المحيى، وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة، وكانت من أوفر الناس حالا وأكثرهم مالا وأحسنهم نسبا، فأجابها إلى ذلك.
ودعت عنيزة وهى امرأة دواب بن عمرو، قدار بن سالف من أهل قرح، واسم أمه قديرة، وكان أحمر أزرق قصيرا وقالوا: إنه لزنى من رجل يقال له ضبيان، ولد على فراش سالف، فقالت له: أعطيك أى بناتى شئت على أن تعقر الناقة، وكان عزيزا فى قومه شريرا، فذهبا فاستغووا غواة ثمود فاتبعهم سبعة، فذلك تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون، تأتى أسماؤهم فى النمل إن شاء الله، قيل: منهم داعر بن دواب بن أخى مصدع، واجتمعا على عقرها.
قال السدى: أوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة، فقال لهم ذلك، قالوا: ما كنا لنفعل ذلك، فقال إنه سيولد لكم فى شهركم غلام يعقرها، ويكون هلاككم على يديه، فقالوا: لا يولد ولد فى هذا الشهر إلا قتلناه، فولد التسعة منهم فى ذلك الشهر بنون فذبحوهم، وولد للعاشر فأبى ذبحه لأنه لم يولد له قبل ذلك، وكان أحمر أزرق، نبت نباتا سريعا، وكان إذا مر بالتسعة فرأوه ندموا على ذبح أولادهم، وغضبوا على صالح لأنه السبب فى قتل أولادهم، ولم يكن قتلهم برضا منهم، فتقاسموا: لنبيتنه وأهله، نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى السفر، ونأتى الغار فنكون فيه، حتى إذا جاء الليل خرج صالح إلى مصلاه فنقتله، ثم نرجع إلى الغار فنكون فيه حتى تمضى ليال وأيام، ثم نرجع فنقول: ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون فيصدقوننا.
وكان صالح لا ينام فى القرية معهم، وكان يأوى إلى مسجد يقال له: مسجد صالح فيبيت فيه، فإذا أصبح توعَّدهم وذكرهم، فإذا أمسى خرج إلى المسجد، فدخلوا الغار ليخرجوا القتلة ليلا، فسقطت عليهم صخرة فقتلتهم، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك، فإذا هم قد رضخوا، فرجعوا يقولون ويصيحون: أيا عباد الله، أما قنع صالح بأن أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم، فاجتمعوا على عقر الناقة.
وقال ابن إسحاق: إنما تقاسمت التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وقالوا: تعالوا نقتله، فإن كان صادقا كنا قد عجلنا قتله، وإن كان كاذبا قد ألحقناه بناقته، فأتوه ليلا فدمغتهم الملائكة بالحجارة، فلما أبطئوا انطلق أصحابهم إلى منزل صالح فوجدوهم مشدخين، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم، وهموا بقتله، فقامت عشيرته دونه، وأخذوا السلاح وقالوا لهم: والله لا تقتلوه أبدا وقد وعدكم أن العذاب واقع بكم فى ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون فانصرفوا.
قال السدى: كان ابن العاشر يشب فى اليوم ما يشب غيره فى جمعة، وفى الشهر ما يشب غيره فى السنة، وهو قدار، فلما كبر جلس مع أناس يشربون الخمر، فأرادوا ماء يمزجونها به، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم، فقال لهم: هل لكم أن أعقرها؟ قالوا: نعم.
وقال كعب: كان سبب عقرهم الناقة، أن امرأة يقال لها ملكة، كانت قد ملكت ثمود، فلما أقبل الناس على صالح، وصارت الرياسة إليه، حسدته فقالت لامرأة يقال لها قبال، وكانت معشوقة مصدع بن مهرج، ومصدع بن دهر، وكان يجتمعان معها كل ليلة، ويشربون الخمر فقالت لها ملكة: إن أتاك الليلة قدار ومصدع فلا تطيعهما وقولى لهما: إن الملكة حزينة لأجل صالح وناقته، ولا نطيعكما حتى تعقرا الناقة، فإن عقرتماها أطعتكما، فلما أتياها قالت هذه المقالة، فقالوا: نحن نكون من وراء عقرها، فانطلقوا قدار ومصدع وأصحابهما السبعة، فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء، وقد كمن لها قدار فى أصل شجرة على طريقها، وكمن لها مصدع فى أصل شجرة أخرى، فمرت الناقة على مصدع فرماها بسهم، فانتظم فى عضلة ساقها، وخرجت لهم غنم وعنيزة، وأمرت ابنتها، وكانت من أحسن النساء، فأسفرت لقدار وحرضته على عقرها، فشد عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة، ثم طعنها فى لبنها فنحرها، وخرج أهل البلد فقسموا لحمها وطبخوه.
فلما رأى سبقها ذلك انطلق حتى أتى جبلا منيعا يقال له ضوء، وقيل: صبور، وقيل: قاره، وروى ذلك مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتى صالحا آت فقال له: أدرك الناقة فقد عقرت، فأقبل صالح عليهم فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه، ويقولون: يا نبى الله إنما عقرها فلان وفلان، ولا ذنب لنا، فقال لهم صالح: انظروا اهل تدركون فصيلها؟ فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا إليه يطلبونه، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل فتطاول فى السماء حتى لا يناله الطائر، وجاء صالح إلى الجبل، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم رغا ثلاثا فانصدعت له الصخرة حتى دخلها قال صالح: لكل رغوة أجل تمنعوا فى داركم ثلاثة أيام، ثم يأتيكم العذاب.
وقال محمد بن إسحاق: اتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة، وفيهم مصدع وأخوه دواب، فرماه مصدع بسهم فأصاب قبله ثم جروه برجله وألقوا لحمه مع لحم أمه، فقال لهم صالح: انتهكتم حرمة الله، فأبشروا بالعذاب، فقالوا له مستهزئين: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ وكانوا يسمون الأحد أولا، والاثنين أهون، والثلاثاء جبار والأربعاء دبار، والخميس مؤنسا، والجمعة عروبة، والسبت شبار، قال شاعرهم:

أؤمل أن أعيش وأن يومى بأول أو أهون أو جبارا
أو التالى دباراً فإن ابته فمؤنس أو عروبة أو شبارا

وكان عقرها يوم الأربعاء فقال لهم حين سألوه عن وقت العذاب: إنكم تصبحون غداة مؤنس وجوهكم مصفرة، ثم تصبحون يوم عروبة وجوهكم محمرة، ثم تصبحون يوم شبار وجوهكم مسودَّة، ثم يصحبكم العذاب يوم أول.
فأصبحوا يوم الخميس وجوههم مصفرة كأنها طيبت بالخلوق، فصلبوه ليقتلوه، فخرج هاربا إلى بطن من ثمود يقال له: بنو غنم، فنزل بسيدهم واسمه نفيل ويكنى أبا هدب وهو مشرك، فكلموه فى ذلك فقال: نعم عندى صالح وما لكم إليه سبيل، فتركوه وأعرضوا عنه، وأشغلهم ما بهم من العذاب.
وقيل: إنهم عذبوا أصحاب صالح ليدلوهم عليه، فدلَّهم عليه مبتدع بن هرم ممن آمن وقال: إنه عند فلان بأمر صالح، فكلموه فأبى أن يعطيهم إياه، ثم أعرضوا واشتغلوا بما هم فيه، فجعل بعضهم يخبر بعضا ما يرون فى وجوههم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل فلما أصبحوا فى اليوم الثانى إذا وجوههم محمرة كأنهم خضبت بالدم، فصاحوا وضجوا وبكوا، وعرفوا أنه صادق، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل، فلما أصبحوا فى اليوم الثالث إذا وجوههم مسودَّة كأنها طليت بالقار، فصاحوا جميعا ألا قد حضركم العذاب.
فلما كانت ليلة الأحد خرج صالح عليه السلام من بين أظهرهم، وخرج معه من أسلم حتى أتوا الشام، فنزل رملة فلسطين، ولما أصبحوا فى اليوم الرابع تكفنوا وتحنطوا، وكانت أكفانهم الأنطاع، وحنوطهم الصبر والمر، ثم ألقوا بأنفسهم فى الأرض مرة ينظرون إلى جهة، وأخرى إلى جهة، ولا يدرون من أين يأتيهم العذاب.
فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شىء له صوت فى الأرض، وقيل: صوت كل شىء كمثل الصوت، فتقطعت قلوبهم فى صدورهم، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، كما قال الله تعالى:
{ { فأخذتهم الصيحة فأصبحوا فى دارهم جاثمين } ولم ينج منهم إلا جارية مقعدة يقال لها دريعة بنت سابق، كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام، أطلق الله رجليها بعدما شهدت العذاب، وخرجت كأسرع شىء حتى أتت وادى العرى حد ما بين الحجاز والشام، وأخبرتهم بما رأت من العذاب، وما أصاب ثمود، ثم استسقت الماء فسقيت فماتت.
وروى ابن الزبير، عن جابر بن عبد الله:
"لما مر النبى صلى الله عليه وسلم بالحجر فى غزوة تبوك قال لأصحابه: لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأمرهم أن لا يستقوا من مائها، ولا يعجبوا، فقالوا: قد فعلنا فقال: أريقوه واعلفوه لعجين الإبل" وروى: "واطرحوا العجين" وأمرهم أن يستقوا من بئر الناقة.
قال: "ولا تسألوا رسولكم" الآيات هؤلاء قوم صالح سألوها فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، وتشرب ماءهم يوم ورودها وأراهم موثقى فصليها من الغارة، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فأهلك مَن تحت أديم السماء منهم إلا رجل واحد يقال له أبو رغال، وهو أبو ثقيف، كان فى حرم الله فمنعه حرم الله من العذاب، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب، وأراهم قبره ونزلوا فابتدروه بأسيافهم وحفروا فاستخرجوا ذلك الغصن، ثم اعتجر صلى الله عليه وسلم بعمامته، وأسرع السير حتى جاوز الوادى.
وقال قوم من أهل العلم: توفى صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، كان يعبد الله فيها بعد ما بلغ الشام بعد مهلك قومه، وقيل: خرج منهم إلى مكة، وقيل: كانت الفرقة المؤمنة من قومه أربعة آلاف، خرج بهم إلى حضرموت، ولما دخلوها مات صالح فسمى حضرموت، وبنوا مدينة سموها حضرموت، وفى خبر أبى رغال ما يبطل قولهم أنه كان دليل أصحاب الفيل إلى مكة.
وذكر الطبرى: أن امرأتين من ثمود من أعداء صالح، جعلتا لقدار ومصدع أنفسهما وأموالهما على أن يعقراها، وقيل: إن قداراً شرب الخمر مع قوم فطلبوا ماء يمزجون به الخمر، فلم يجدوه لشرب الناقة إياه، وعزموا على عقرها، وكمن لها قدار خلف الصخرة، فلما دنت منه رماها بالحربة، ثم سقطت فنحرها، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات، واستغاث فلحقوه وعقروه.
وروى أنهم وجدوه على رابية من الأرض، وقيل: صخرة فارتفعت الرابية أو الصخرة حتى حلفت به فى السماء، فلم يقدروا عليه فرغا ثلاثا مستغيثا بالله، وعن الحسن: أنطق الله الفصيل فنادى: أين أمى؟ وروى أن المسافة التى أهلك الله أهلها بتلك الصحيفة ثمانية عشرة ميلا، وروى أنه خرج عنهم فالتفت فرأى الدخان ساطعا فبكى، وهم ألف وخمسمائة، وروى أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم، والله أعلم.