التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
٨١
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولُوطاً } عطف على نوح وصالحا، فكأنه قيل: وأرسلنا لوطا { إذْ } ظرف لأرسلنا، ولوطا مفعول، وإذ بدل اشتمال، والرابط بالضمير فى المضاف إليه وهو جملة { قال لقومه } ويقوى الأول قوله: { { وإلى مدين أخاهم شعيباً } { قالَ لِقَوْمهِ أتأتُون الفَاحِشَةَ } هى فالزنى فى أدبار الذكور، والفاحشة ما عظم قبحه، والاستفهام توبيخ وتقريع وإنكار لجوازها.
{ ما سَبقَكم بِها مِنْ } صلة مؤكدة للنفى { أحدٍ مِنَ } للتبعيض { العَالمينَ } المراد الثقلان لكن غير الثقلين من الدواب، والدواب كذلك لم تسبقهم بها أيضا، أو المراد الثقلان وغيرهم تغليبا، قال عمرو بن دينار ما نزا ذكر على ذكر فى الدنيا حتى كان قوم لوط، والجملة حال من الفاحشة زيادة فى تقبيح أمرها كما تقول: أتشتم المسلمين فى المسجد ما على استك ثوب؟ أو مستأنفة من الزيادة التقبيح أيضا، وذلك أن إتيان الأدبار أقبح، وابتداعه أقبح، وأسوأ منه، وعامل اللواط يرجم أحصن أو لم يحصن، وروى أن أبا بكر حرق رجلا يسمى الفجأة عمل عمل قوم لوط، وكتب عبد الملك بن مروان إلى شعيب قاضى حمص: كم عقوبة اللواطى؟ فقال: أن يرمى بالحجارة كما رمى قوم لوط، فإن الله تعالى قال:
{ { وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } وقال: { { وأمطرنا عليهم حجارة } فقبل عبد الملك ذلك واستحسنه، وقيل: يجلد إن لم يحصن ويرجم إن أحصن وهو أظهر { إنَّكم } بهمزة واحدة على الإخبار تفسيرا للفاحشة عند نافع والكسائى وحفص، وعن عاصم، وقرأ غيرهم بهمزتين على الاستفهام مثل المذكور، لكن أول على مجمل، والثانى مفسر بتسهيل الهمزة الثانية، وقرىء بتحقيقها وبإدخال ألف بينهما مع تسهيل الثانية، وبالإدخال مع تحقيقها وقرأ الكسائى بهمزة واحدة فى رواية عنه.
{ لتأتُونَ الرِّجالَ } أى تجيئونهم أو كناية عن الجماع { شَهْوةً } أى لاشتهاء أدبارهم، فهو مفعول لأجله، ويجوز كونه حالا مبالغة، أو بتقدير مضاف، أو بالتأويل مشتهين، وكونه مفعول مطلقا تضمينا لتأتون معنى تشتهون، ويقال: يشهيه يشهاه كرضى، وفى ذلك تشبيه لهم بالبهيمة إذ لا حامل لهم ذلك إلا مجرد الشهوة، والعاقل ينبغى أن يكون داعيه إلى الجماع طلب الولد، فإن أصل الجماع إنما هو للتناسل، وعمارة الدنيا ليعمل فيها للآخرة، وإنما يكون ذلك بجماع النساء فى القبل، وهم يجامعون الرجال.
{ مِنْ دُونِ النِّساءِ } ذكره مع إغناء ما قبله عنه، تلويحا بأن الحق أن تأتوهن لأنهن محل النسل، أو تصريحا أو بأنهم مقتصرون على الرجال، تاركين للنساء { بَلْ أنتُم قَومٌ مُسرفُون } إضراب عما مر من التوبيخ والتقريع والإنكار، إلى الإخبار عن حالهم الداعية لهم إلى تلك الفاحشة وغيرها، وهى أن من عادتهم الإسراف فى كل شىء، حتى الذى بهم فى باب قضاء الشهوة إلى غير المعتاد، أو إضراب عما ذكر إلى ذمهم إلى مطلق الإسراف الشامل للفاحشة المذكورة وغيرها من المعايب، أو ضرب عن محذوف، أى لا أتوسط لكم فى ذلك، أو لا عذر بل أنتم قوم معتادون الإسراف.