التفاسير

< >
عرض

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
١
-الجن

هميان الزاد إلى دار المعاد

بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ } يا محمدا { أُوحِيَ إلَيَّ } وقرئ وحي من الوحي لا من الايحاء وهو قراءة بن أبي عبلة وقرأ أحي من الوحي قلبت الواو همزة لانضمامها كأعد وأزن في وعد ووزن وهو قيل قلب مطلق جوازه في كل واو مضمومة وقد أطلقه المازني في المكسورة أيضا كأشاح وإسادة وإعاء في وشاح أو وسادة ووعاء { أَنَّهُ اسْتَمَعَ } في تأويل مصدر نائب أوحى والهاء ضمير الشأن والاستماع للقرآن. { نَفَرٌ } يقال لما بين الثلاثة إلى العشرة بدخولهما والمراد هنا سبعة. { مِّنَ الْجِنِّ } جن نصيبين قيل كانوا من الشيصفان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم قيل جاءوه في صلاة الصبح ببطن نخلة موضع بين مكة والطائف وهو يقرأ القرآن في الصلاة وكانوا أفضل قومهم في دينهم فلما سمعوا رقوا له وصدقوه.
قال سهل رأيت في دار عاد مدينة مبنية من حجر فيها قصر عظيم منقور من حجر تأويه الجن فدخلت القصر معتبرا بما فيه فرأيت شخصا قائما يصلي نحو الكعبة وهو في غاية العظم وعليه جبة صوف بيضاء بها طراوة فتعجبت لطراوة جبته وانتظرت حتى فرغ من صلاته فقلت السلام عليك فقال وعليك السلام يا أبا محمد: عجبت لطراوة جبتي وهي عليّ منذ تسع مائة سنة لقيت فيها عيسى بن مريم عليه السلام ومحمدا صلى الله عليه وسلم وامنت بهما وأعلم يا أبا محمد أن الابدان لا تخلق الثياب وإنما يخلقها مطاعم السحت والاصرار على الذنوب فقلت له ومن أنت قال أنا من الذين قال الله فيهم { قُلْ أُوحِيَ } الاية قيل وفي ذلك دليل أنه صلى الله عليه وسلم ما رءاهم وما قراء عليهم ولكن اتفق حضورهم في وقت فراقه فسمعوا فأخبره الله جل وعلا.
وفي الآية ونحوها دليل على وجود الجن واشرك منكرهم وقد أنكرهم جمهور الفلاسفة وأثبتهم جماعة منهم وسموهم بالارواح السفلية وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية هي أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية والهوائية وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل نفوس شريرة مفارقة عن ابدائها وعن بعضهم انها حيوان هوائي يتشكل بأشكال مختلفة وقيل أنها جواهر ليست بأجسام ولا بأعراض وعندنا الجسم والجوهر واحد قال صاحب هذا القول هذه الجواهر بعضها خيرية كريمة محبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة شريرة محبة للشرور والافات ولا يعلم عدة أنواعهم إلا الله وقيل أجسام مختلفة الماهية موصوفة بالطول والعرض منهم لطيف وكثيف وعلوي وسفلي قادرة على أفعال عجيبة أو شاقة يعجز عنها البشر متشكلة بأشكال مختلفة بأقدار الله لهم على ذلك وقيل أن الأجسام متساوية في تمام الماهية وليست البنية شرطا للحيات وهو قول الاشعري وجمهور اتباعه وأنكر بعض المعتزلة وجود الجن وقالوا البنية شرط للحياة وأنه لا بد من صلابة البنية حتى يكون قادراً على الأفعال الشاقة وهو قول منكر نسبه بعضهم للمعتزلة لا لبعضهم والظاهر أن قائله إما مشرك أو شذّ وغلا بالتاويل والله أعلم.
أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يظهر لاصحابه واقعة الجن وكما أنه مبعوث الى الإنس مبعوث الى الجن لتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا به *{ فَقَالُوا } لقومهم لما رجعوا اليهم { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْأَنَا عَجَباً } أنكروا القرآن للتعظيم أو لأنه في معنى كتاب من الكتب والعجب البديع المغاير لكلام الناس في حسن تركيبه ودقة معانيه وهو مصدر وصف به مبالغة أو لتأويله بمعجب به أو ذي عجب أي يتعجب سامعه منه.