التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
-الجن

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا } أي فيها متعلق بنقعد وقعودهم في السماء بمعنى قعودهم في جهتها في العلو وفي قربها أو بمحذوف حال من قوله. *{ مَقَاعِدَ } أي قريبة منها جمع مقعد ظرف مكان كمرمى بعد رمي أو مصدر ميمي مفعول مطلق اي قعدات مخصوصة بأن كانت في مواضع مخصوصة في حال مخصوصة والمشهور الأول أي كنا قيل مبعثه صلى الله عليه وسلم نقعد في مواضع خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع *{ لِلسَّمْعِ } أي لأجل الإستماع متعلق بنقعد أو نعت لمقاعد والآن قد ملئت المقاعد كلها *{ فَمَن يَسْتَمِعِ الأَنَ يَجِدُ لَهُ } متعلق بيجد أو حال من شهابا أو متعلق برصدا ان جعل رصدا مفعولا لأجله لا نعتا. { شِهَاباً رَّصَداً } ارصد له ليرمي به ورصدا نعت شهابا بمعنى راصدا أو ذا رصدا وهو نفسه رصد مبالغة أو مفعول لأجله ويجوز وقوع شهابا رصدا على الملائكة اى يجد ملائكة ذوي شهاب راصدين فرصدا جمع راصدا واسم جمع وقيل الشهاب من الكوكب والرصد من الملائكة وهذا بناء على أن رصدا مفعول لأجله قيل والآية قاطعة بأن كل من يستمع الآن أحرقه شهاب فليس هنا بعد سمع انما الاحراق بعد الإستماع والرجم كان في الجاهلية ولم يكن بمستأصل ولما جاء الإسلام اشتد حتى لم يكن فيه سمع أصلا انتهى قلت لا قطع في الاية بل أفادت بظاهرها أنهم كانوا يستمعون ولا يرجمون وبعد البعث لا يستمع مستمع إلا رجم فمنهم من يحرق ومنهم من يموت ومنهم من يخبل ومنهم من ينجوا ولما اشتد الرجم بعث إبليس من جنوده ليروا ما حدث الرجم لأجله فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فرجعوا إليه على ما مر في غير هذا الموضع وهذا مذهب ابن عباس، وقال ابن قتيبة كان قبل البعث واشد بعده وهو الصحيح فالمراد أنها قبل البعث لم تمل حرسا وبعده ملئت فتجد من الشهاب والرصد ما لم تكن تجده قبل والصحيح أنهم قد يستمعون الى الآن فيسمعون قليلا، ومن قال قد كان قبل البعثة فهو مؤيد بقوله: { وزينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } ونحوه ومن خص الرجم بما بعدها قال إن الرجم موجود بعد البعثة ليكون له آية وهذا كما يقول بوجوده قبلها ان كثرته علامة وآية له ويدل على وجود الرجم قبل البعثة ذكره في أشعار الجاهلية قال بشر بن ابي حازم:

والعير يرمقها الغبار وجحشه ينقض خلفها انقضاض الكوكب

وقال اوس بن حجر:

وإنقض كالدري يتبعه نقع سما تخاله طنبا

وقال عوف بن الخزم:

يرد علينا العير من دون القه والثور كالدري يتبعه الدم

ولكنه لما كثر بعد البعث تنبه الناس له. قال معمر للزهري أكان بالنجوم في الجاهلية؟ قال نعم قلت أرأيت قوله وإنا كنا نقعد منها مقاعد المسمع فقال غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية فقالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم ومن نفاه قبل البعثة فلعله لم يطلع عليه أو مراده نفي الكثرة مثل قول أبي رجاء ما كنا نرى نجماً يرمى به فبينما نحن إذ رمى بنجوم في ليلة ذات نجوم فقلنا هذا الأمر حدث فجاءنا بعث النبي صلى الله عليه وسلم فعل مراده إنهم لم يروه وإن كان أو ذلك تقليد كقولهم ما عندهم قطرة لبن إذ كان فيه لبن قليل، وذكر يعقوب بن عتبة بن المغير أول من فزع لرمي بالنجوم ثقيف جاءوا الرجل منهم يقال له عمرو بن أمية وكان أدهى العرب فقالوا لم نر ما حدث في السماء من القذف بالنجوم فقال انظروا إن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وينتفع بها فذلك طي الدنيا وإلا فلأمر إرادة الله.
وعن لهيب ابن مالك حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده لكهانة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا الى كاهن لنا يقال له خطر ابن مالك وكان شيخا كبيراً أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة وكان أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم بهذه النجوم التى يرمى بها فأنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها فقال ائتوني بسحر أخبركم الخبر أخير أم ضرر أولا من أو حذر فانصرفنا عنه يومنا وأتيناه السحر فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينه فناديناه يا خطر فأومى الينا ان امسكوا فامسكنا فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته أصابه خامرة عقابه عاجلة عذابه أحرقه شهابه يا ويله ما حاله بلبله بلباله عاوده خياله تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا واندفع يقول:

يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان
أقسمت بالكعبة والاركان والبلد الموتمن السدان
قد منع السمع عتاة الجان بثاقب بكف ذي سلطان
من اجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن
والهداي وفاصل الفرقان تبطل به عبادة الأوثان

فقلنا ويحك أنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك فقال ارى لقومي ما أرى لنفسي

ان يتبعوا خير نبي الإنس برهانه مثل شعاع الشمس
يبعث من مكة دار الخمس بمحكم التنزيل غير اللبس

فقلنا له يا خطر ممن هو فقال:

والحياة والعيش انه لمن قريش
ما في حلمه طيش ولافي خلقه هيش
يكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش

فقلنا بين لنا من اي قريش هو فقال:

والبيت ذي الدعائم إنه لمن نجل هاشم
من معشر أكارم يبعث بالملاحم
وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان
إخبرني به رئيس الجان ثم قال الله أكبر
جاء الحق وظهر وانقطع عن الجن الخبر

ثم سكت وأغمي عليه فما افاق الا بعد ثالثة فقال لا إله إلا الله وأصابه الثاني بكسر الهمزة مبدلة عن واو مكسورة جمع وصب وال قحطان الأنصار وآل ايش قبيلة من مؤمنون أو مدح يقال فلان ايش أي شيء عظيم مركب ما لجن أي الاسفهامية وشيء وكأنه أراد المهاجرين وإنما تستمع الجن أخبار تتكلم بها الملائكة ولا يقدرون أن يسمعوا الوحي وإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا وقيل مائة وعن بعضهم أن إبليس كان قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم يدخل سماء الدنيا.