التفاسير

< >
عرض

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
-المزمل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } هو القرآن وقد قيل من قرأ القرآن على دابة غيره فتضررت ضمنها وقيل لا ولفظه رزين ومعناه متين ووحيه أشد من وحي غيره مع أن الوحي مطلقا شديدا لا كسائر الكلام سأل الحارث بن هشام النبي صلى الله عليه وسلم كيف ياتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد عليّ فينفصم عني وقد وعيت ما قال وأحياناً يتمتل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول والأحيان جمع حين والصلصلة الصوت الشديد اليابس الصلب والجرس شيء على هيئة الناقوس ومعنى قوله وهو أشده أن هذا النوع من الوحي أشد الوحي عليه والانفصام الانقطاع ووعيت بمعنى حفظت وعن عائشة لقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه لينفصد عرقاً أي يجري عرق جبينه كما يجري الدم للفصد وعن عبادة بن الصامت إذا أنزل عليه الوحي عرفنا ذلك في فيه وغمض عينيه وتربد وجهه وفي رواية كرب لذلك وتربد وجهه وعن ابن عباس تربد جلده والتربد الاسوداد والكون على لون الغبرة وكان يثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبين الثقل في جسمه صلى الله عليه وسلم وكان إذا أوحي اليه وهو على ناقته بركت به وكادت فخذه يوما ترض فخذ زيد وقيل المراد بثقله في الآية أنه كلام عظيم لانه كلام رب العالمين وكل ماله خطر فهو ثقيل وقيل سماه ثقيلا لما فيه من التكاليف الشاقة من الأوامر والنواهي ولا سيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه متحملها بنفسه ومحملها أمته وأراد بالاعتراض بالترتيل والالقاء بين قيام الليل وقوله { { ان ناشئة الليل } الخ أن ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الثقيلة الصعبة التي ورد بها القرآن لأن الليل وقت السبات والراحة فلا بد لمن أحياه من مضادة لطبعه ومجاهدة لنفسه ففي قيامه تسهيل التكليف عليه وعلى هذا القول حذاق العلماء قال الحسن ألهذا خفيف ولكن العمل ثقيل وقيل ثقيل على متأمله لافتقاره الى مزيد تصفية للسر وتجريد النظر وقيل ثقيل في الميزان خفيف في اللسان ونسب للحسن وروي أن مالكا سأله سائل عن مسألة وقال إنها خفيفة فزجره وقال ليس في العلم خفيف اما سمعت قول الله { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } فالعلم كله ثقيل وقيل ثقيل على الكفار والمنافقين درساً وعملا وأيضاً يبين عيوبهم وقيل ثقله صدق حكمته وبيانه وصحته وقيل ثقله بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والجملة على هذه الأوجه وعلى الوجه الأول للتعليل المستأنف فإن التهجد يعد للنفس ما به يعالج ثقله.