التفاسير

< >
عرض

إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
-القيامة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِلَى رَبِّهَا } لا الى غيره كما يفيده التقديم *{ نَاظِرَةٌ } منتظرة اي ينتظر اصحابها رحمة الله ويرجونها لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من الله كما لا يخشون ولا يعبدون في الدنيا الا إياه والنظر كثيرا ما يتعدى بإلى ويكون بمعنى الانتظار ومنه

وإذا نظرت اليك ملك والبحر دونك زدتني نعما

قال جار الله وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون الى مقايلهم تقول عيني نويظرة الى الله واليكم وقال الشاعر:

وجوه ناظرات يوم بدر الى الرحمن تنتظر الخلاصا

وروي الى الرحمن ياتي بالفلاح فتراه قال نظرت اليك والبحر دونك فتبين أن النظر بمعنى الانتظار فانه لا يراه من جانب البحر الى الجانب الآخر ولم يرد بحر النيل او غيره من البحور التي يرى من بجانبها من الجانب الآخر كبحر طنجة وكالفرات لان المقام مقام التعظيم وتراها قالت نويظرة اليكم مع انهم قد ارخوا الستور وايضا قالت نويظره الى الله ومعلوم انه لا يرى في الدنيا عند معظم الخصماء كما لا يرى عندنا ايضا في الآخرة فقد ثبت تعدية النظر بمعنى الانتظار بالى لا كما زعم الخصم انه يتعدى بنفسه ابدا ولا يقال لو كان النظر بمعنى الانتظار لم يسند الى الوجه لان الانتظار ليس بالوجه لانا نقول كما مر الوجه بمعنى الجملة وقد اسند النظر اليه لان المراد الجملة كما تطلق الرقبة على الجملة وهذا كثير في القرآن واضح كقوله { فتحرير رقبة } لا غير واضح ولا غير ظاهر كما زعم بعض وان قلت الذي في البيت بمعنى السؤال قلت نعم وكفى به حجة عليك فان انتظار الرحمة سؤال لها فهو في الآية بمعنى السؤال وعدي بإلى لتضمنه معنى الانهاء اي انهينا اليك آمالنا واوصلنا اليك وما قيل من انه لو كان في البيت بمعنى الانتظار لما قال زدتني نعما لان الانتظار لا يستعقب العطاء ممنوع بان المراد المبالغة في المدح حتى ان انتظار الممدوح كسؤاله وايضا الكلام على المجاز وايضا لو كان المراد في الآية البصر لما حصره في الرب حاشاه فان في المحشر اهو الا يبصرها الباصر ولا يقال هذا ليس في كل الاحوال حتى ينافية نظرها الى غيره لانا نقول قوله يومئذ دليل ان ذلك في كل الاحوال وهذا ظاهر لا يعدل عنه الا بدليل كما اذا قلت لبثت يوما حمل على لبثه كله إلا لقرينة ولما اطلع بعضهم على مواضع من التنزيل وغيره تعدى فيها النظر بمعنى الانتظار بنفسه لا بالى زعم انه ابدا يتعدى بنفسه وخطأ من قال أنه يتعدى أيضا بالى وهو الخاطيء وأما ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من انكم ترون ربكم يوم القيامة عيانا لا تضامون في رؤيته كما تضامون في رؤيته القمر ليلة البدر ولا في رؤية الشمس ليس دونها سحاب وتضامون بفتح التاء وقد تضم وتشديد الميم اي تزدحمون او بضمها وتخفيف الميم اي لا ينالكم ظلم فيراه بعض دون بعض وروي الا تضارون وهو كذلك وما روي عنه ان اكرمهم على الله من ينظر في وجهه غدوة وعشية وما روي أنه يكشف الحجاب فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم فان ذلك كله كذب عن الراوي وكذب عنه صلى الله عليه وسلم فان ذلك ينافي قوله تعالى { لا تدركه الابصار } وقد قال ما جاءكم عني وخالف كتاب الله فليس عني لو تصور شيطان بصورة الصحابي فذكر لهم ذلك وما رووه عن ابن عباس والحسن كذب عنهما وان صح فالنظر بمعنى العلم بوجوده وقولهم عيانا زيادة منهم في الحديث ان كان الحديث ثابتا وقد ذكر السعد الحديث عن احد وعشرين من اكابر الصحابة ولم يذكر فيه عيانا وان صح لفظ عيانا فالمعنى العلم الصحيح الذي كعلم الشيء بالمعاينة وعن بشير عن الضحاك عن ابن عباس أنه خرج ذات يوم فاذا هو برجل يدعو ربه شاخصا بصره الى السماء رافعا يديه فوق رأسه فقال له ابن عباس ادع ربك باصبعك اليمني وسل بكفك اليسرى وأغمض بصرك وكف يدك فإنك لن تراه ولن تناله فقال الرجل ولا في الآخرة فقال ولا في الآخرة فقال الرجل وما وجه قول الله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة } قال ابن عباس ألست تقرأ "لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار" قال ابن عباس ان أولياء الله تنضر وجوههم يوم القيامة والنضرة هي الاشراق ثم ينظرون الى ربهم متى ياذن لهم في دخول الجنة بعد الفراغ من الحساب، كما ان قوله { { ووجوه يومئذ باسرة } الخ بمعنى انها كالحة تنتظر العذاب، وكذا عن افلح بن محمد عن ابي معمر السعدي عن علي بن ابي طالب وعن مكنف المدني عن ابي حازم عن محد بن المنكدر ما رايت أحدا له عقل يقول ان الله يراه أحد من خلقه { لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار } } { { وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة او نرى ربنا لقد استكبروا في انفسهم وعتوا عتوا كبيرا } وعن مكلف جلست عند مالك بن أنس فسأله سائل هل يرى الله احد من خلقه فتلا { { لا تدركه الابصار } وقال { { الذين لا يرجون } وعن ابي نغيم عن أبي اسحاق الشعبي عن سعيد بن جبير عن نافع بن الازرق سئل ابن عباس عن قوله تعالى { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال ينظرون الى رحمته وثوابه { { لا تدركه الابصار } وكذا قال مجاهد وابراهيم ومكحول والزهري وسعيد بن المسيب وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك وابو صالح صاحب التفسير وعكرمة ومحمد بن كعب وعائشة، وعن الحسين ناظرة الى سلطان ربها وقدرته وتدبيره وروى ما تقدم عن مجاهد والفضيل بن عياض وجليل بن عبد الحميد الطائي وعمار بن اخت سفيان الثوري ومنصور بن المعتمر بن سليمان عن ابيه عن وكيع بن الجراح واسباط بن محمد عن يحيى بن ابي زكريا بن زياد عن اسرائيل بن يونس وعيسى بن يونس عن ليث وهو الراوي عن مجاهد وسئل صلى الله عليه وسلم هل يرى ربه فقال سبحان الله واني اراه اي كيف اراه فانكر رؤيته وان قلت هذا في الدنيا قلت هي والآخرة في مثل هذا سواء كما تراه في تفسير الانعام وعن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن ابي راشد ان مولاة لعتبة بن عمير قالت انما انظر الى الله واليك فقال لها لا تقولي كذلك ولكن قولي انما انظر الى الله ثم اليك فاقراها على تعدية النظر بمعنى الانتظار بالى وعلى قولها الى الله لانها ارادت انتظار الرحمة والاحسان كما يعلم من المقام فانها في استعطاف ونهاها عن الجمع بين الله وغيره في الانتظار ومثله غيره كما قالوا انما يقال توكلت على الله ثم على فلان لا وعلى فلان.
وكذلك روي عن معاذ ان الله تعالى لا يراه احد فثبت ان معنى قوله { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } انها منتظرة وملتجئة الى رحمته والنظر على أصله مراد به النظر الى الرحمة من الحوض وملائكة الرحمة والجنة فيقدر مضاف وهذا كقوله
{ { ألم تر الى ربك } ألم تر الى الذي حاج ابراهيم { ألم تر الذين خرجوا من ديارهم } وهو صلى الله عليه وسلم لم يرهم بعينه وقال { { أو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نطفة } } { { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه } }. وتقول رأيت فلانا عالما وفاهما ورأيت له ادبا وعقلا ومعرفة وقال الكميت:

رأيت الله إذ سمى نزارا وقال له رأيت الله اهلك قوم عاد

وليس في ذلك ما يراه البصر ويقابل الآية { { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } وقد فسره ابن عباس وعلي ومجاهد بانهم منعوا من الرحمة واعظم الحجج ان الرؤية تستلزم اللون والله لا يوصف به وتستلزم الادراك وهو لا يدرك والاحاطة ولو نوعا من الاحاطة وقد قال { { ولا يحيطون به علما } وخلق الاماكن منه والتحيز جانبا والحلول وكونه تحت شيء وفوق شيء والجهات وذلك كله من صفات الخلق تعالى عنها.
وقد قالت عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد اعظم الفرية وأمر الاخرة في هذا كأمر الدنيا وقد زعم المخالفون ان ابن عباس قال إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين رأسه وهذا كذب منهم عنه، وروي عنه ان الله جعل بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في فؤاده فرأى ربه به والرؤية بالفؤاد لا تكون الا علما ومثل هذا للغزالي وبقية الكلام في سورة الأنعام.