التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
١٢
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إذ يُوحِى } إذ بدل من إحدى الإذَّات قبلها، أو متعلق بيثبت، أو مفعول لاذكر مستأنفا { ربُّك إلى الملائِكةِ أنِّى مَعَكم } فى تثبيت المؤمنين وإعانتهم، والمصدر من خبر إن مفعول يوحى، وقرأ عيسى ابن عمر فى رواية بكسر الهمزة إجراء للإيحاء مجرى القول، أو تقديرا للقول، وهذا الوحى إلهام أو إرسال بعض الملائكة إلى بعض { فَثبِّتوا الَّذينَ آمنُوا } بإلقاء الخير فى قلوبهم إلهاما كما يلقى الشيطان فيها لشر وسوسة، وبحضور القتال وبالقتال على القول به، وبالتبشير بالظفر، يمشى الملك أمام الصف بصورة رجل يعرفونه ويقول: أبشروا فإن الله ناصركم عليهم، لأنكم تعبدونه، وهؤلاء لا يعبدونه، ويقول آخر: ما أرى الغلبة إلا لنا، ويقول آخر: أقدم يا فلان، ويقول أحدهم للذى يليه من المؤمنين: لقد بلغنى أن الكفار قالوا: لئن حمل المسلمون علينا لننكشفن، ولا يختص إيهام الملك باسم اللمة كما يوهم كلام بعضهم لما ورد فى الحديث: "إن لكل من الملك والشيطان لمة" .
{ سألْقى فى قُلوبِ الَّذينَ كَفرُوا الرُّعْب } قال القاضى: هو كالتفسير لقوله { إنى معكم فثبتوا } وهو حسن وذلك من جملة ما أوحى إلى الملائكة، ويجوز أن لا يقصد به التفسير، وقرئ بضم العين، وهو قراءة الأعرج بن عامر، والكسائى ومعناه على القراءتين: الخوف { فاضْرِبُوا فَوقَ الأعْناقِ } أى اضربوهم فى أعالى الأعناق وهى مواضع الذبح، وهى مفاصل، فيكون الضرب فيها تطييرا للرأس، وقال عكرمة: اضربوهم فى الرءوس، فإن الرأس فوق العنق، وعليه المبرد، واحتج بالآية على جواز ضرب الكافر فى وجهه، لأن كلا من الوجه وسائر الرأس هو فوق العنق.
وقال الأخفش: فوق زائد مضاف للمفعول، وبه قال الضحاك، وعطية، وقيل: بمعنى على، وفى أى موضع من العنق ضرب فقد ضرب على العنق، وزعم ابن قتيبة أن فوق بمعنى دون، قال ابن الأنبارى: كانت الملائكة لا تعرف كيف تقتل الآدمى، فعلمهم الله كيف يفعلون بقوله: { فاضربوا فوق الأعناق }.
{ واضْرِبُوا منْهم كلَّ بَنانٍ } أصابع اليدين والرجلين، فمن ضُرب فى العنق مات أو فى الأصابع لم يتمكن من قبض السلاح، والقتال به، ولم يقو على سرعة الانتقال، لأن أصابع الرجلين تقوى على المشى، وعن بعضهم أبيح لهم الضرب فى كل موضع، ولكن خص الموضعان بالذكر لأنهما أبلغ، وقيل: مثل لهم لمطلق الضرب بالضرب أعلى الجسد وأسفله، والمراد إدخال كل عضو، وهذا على أن البنان أصابع الرجلين، وقيل: المراد أصابع اليدين، قيل: سميت بذلك لأن بها إصلاح ما أريد عمله باليد، وقيل: البنان المفاصل من كل عضو، وعن الحسن البنان الأعضاء وهو جمع بنة أو بنانة، وذلك على أن الملائكة قاتلت، ومن قال لم تقاتل جعل الخطاب فى قوله: { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } للمؤمنين.
ويجوز أن يكون: { سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب } مقولا للمؤمنين أيضا مع ما بعده، ويجوز أن يكون مع ما بعده تلقينا للملائكة ما يثبتون به المؤمنين، كأنه قال: قولوا لهم ما يتضمنه قولى هذا من إلقاء الرعب، والضرب فوق الأعناق، وفى كل بنان، أو قولوا لهم: إن الله قال: { سألقى فى قلوب } الخ، ويجوز أن يكون { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } فى معنى الخبر عن صورة الحال، كما تقول لمن تخاطبه: ناولت الأعرابى جبة فأقنعنى فيها، خذ هذه الشاة وخذ هذه الغرارة من بر، وخذ هذا الجراب من أقط، تريد أن هذه حالى معه والخطاب للمؤمنين أو للملائكة، أى ستكون حال الكفار هكذا.
وعن السهيلى: ما وقعت ضربة يوم بدر إلا فى رأس أو مفصل، وهذا يقوى أن المراد بفوق الأعناق الرءوس، قال: وكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود فى الأعناق والبنان، ويتبادر من كلامه أن الأمر بالضرب فوق الأعناق وفى البنان كان للملائكة والمؤمنين جميعا.