التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَوْ عَلم الله فِيهمْ خَيرا } سعادة قضى لَهم بها فى الأزل، وانتفاعا بالآيات والوعظ قضى لهم به فيه { لأسْمعَهم } أى الآيات والوعظ سماع تفهم وقبول، لكن لم يعلم فيهم خيرا فلم يسمعهم، ونفى علم الخبر اكتفاء بنفى اللازم عن نفى الملزوم، وذلك أنه لو كان فيهم خيراً لعلمه ولا بد.
{ ولَوْ أسْمعَهم } سماع تفهم وقبول فآمنوا { لَتولَّوْا } لارتدوا وماتوا على الارتداد ولما سبق عليهم من الشقاوة { وهُم مُعْرضُون } عنادا وطيشا، وهذه القضية الثانية الشرطية مستأنفة أو معطوفة على الأولى، ولكن عطف على أخرى لا متصلة بالأولى، بحيث تكونان على طريق القياس الاقترانى والأنتج، ولو علم فيهم خيرا لتولوا هذا خلف، لأن من علم الله فيه الخير لا يتولى ويموت على الارتداد، فليس قياسا اقترانيا، ولو اتخذ الوسط وهو الإسماع الذى هو جواب لو، أو الإسماع الذى هو شرط لو، فى أن المراد بهما معا سماع التفهم والقبول، ولك أن تجعل ذلك على طريق القياس الاقترانى، أن تجعل الوسط متحدا كما علمت، وتجعل الخير بمعنى الإيمان، والانتفاع مطلقا بمعنى السعادة، ولا بمعنى الإيمان والانتفاع الذين يموت عليها الإنسان، أى لو علم الله فى الأزل أنهم يؤمنون ويعملون الصالحات لأسمعهم الآيات والوعظ، ولو أسمعهم الآيات والوعظ لارتدوا عن ذلك للشقاوة، فينتج لو علم فيهم الإيمان والعمل الصالح لتولوا عنهما بعد العمل بهما للشقاوة، والوجه الأول أظهر عندى، وكلاهما جائز
هذا ما ظهر لى بعد التأمل، ثم رأيت ابن هشام أشار إلى الثانى والحمد لله على موافقة علامة، وأما أن يجعل الوسط مختلفا هكذا لأسمعهم سماع تفهم وقبول، ولو أسمعهم سماع غير تفهم وقبول فلا يصح عندى، لأن لو امتناعية، فيلزم انتفاء إسماعهم سماع غير تفهم وقبول وهو موجود، لأنه السماع بالأذن، اللهم إلا إن أريد بهذا الإسماع الذى هو غير سماع تفهم وقبول، سماع زائد على سماع الأذن غير بالغ درجة النفع، أو تجعل لو بمعنى إن الشرطية لكن يضعف هذا قرن جوابها بالام، فإن اللام أصل فى الامتناعية.
وقد أثبت القاضى وابن هشام هذا الوجه الذى هو اختلاف الوسط، ولم أر من أورد عليهما ما أوردت، ولا من أجاب بما أجبت، لكن كلام القاضى محتمل للوجه الأول، وما ذكرته من جوز كون الكلام على طريق القياس الاقترانى مبنى على التحقيق، لأنه يكون فى القضايا الشرطية، كما يكون فى الجملة، لا كما قال الأخضرى إنه مختص بالقضايا الجملية، وهو هنا من قضيتين شرطيتين متصلتين.
وقيل: إنهم قالوا أحيى لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن لك، فالمعنى: لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم كلام قصى، بأن يحييه فيتكلم لهم بذلك، ولو اسمعهم كلامه لتولوا، والكلام فى هذا القول قابل لما ذكرته، من أن الكلام على طريق القياس الاقترانى، وعلى غير طريقه، وجملة هم معرضون حال مؤكدة لعاملها، فإن التولى عن الحق، والإعراض عنه بمعنى ترك اتباعه، وإن جعل ذلك تمثيلا بمن تولى بجسده أعرض بقلبه، فليست مؤكدة.