التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٢٧
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا لا تخُونُوا اللهَ والرسُولَ } بإفشاء السر إلى الكفار، أو بتقويتهم بفعل أو رأى، أو بتعطيل الفرائض والسنن، أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون، أو بالغلول فى الغنائم، قال الزهرى، والكلبى، وعبد الله بن أبى قتادة: نزلت الآية فى أبى لبابة بن رفاعة بن عبد المنذر الأنصارى، من بنى عوف بن مالك، إذ قال لبنى قريظة فى حكم سعد: إنه الذبح، أو فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه الذبح، وتأتى قصته إن شاء الله فى سورة الأحزاب.
وقيل: اسم أبى لبابة مروان، وقيل: هارون، وروى أنه قال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أمرت أو يتوب الله علىَّ، وربط نفسه بسارية فى المسجد.
وقال السدى: كانوا يسمعون الشئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفشونه، حتى يبلغ المشركين، فنزلت الآية.
وقال عطاء بن أبى رباح،
"عن جابر بن عبد الله: سببها أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان فى مكان كذا وكذا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أبا سفيان فى موضع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا فكتب إليه رجل من المنافقين: أن محمدا يريدكم فخذوا حذركم" ، قال العلماء: فعلى هذا معنى آمنوا أظهروا الإيمان، وقد ضعف فى قلوبهم، أو أسروا الشرك، ويحتمل أن يخاطب المؤمنين حقا أن لا تفعلوا فعل ذلك المنافق.
وزعم المغيرة بن شعبة فيما ذكر الطبرى، وجار الله: أنها نزلت فى قتل عثمان، والمعنى لا تقتلوه ولا تخذلوه، ولا يخفى مع كونه خطأ وتعصبا أنه بعيد، وأصل الخيانة النقص، كما أن معنى الوفاء التمام، فإنك إذ خنت الرجل فى شئ وقد أدخلت عليه النقص فيه، واستعمل فى ضد الأمانة لتضمنه إياه، قال جار الله، والقاضى: إن النقض خفيته، وقد قال ابن عباس: المراد خيانة ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله.
{ وتخُونُوا أمانَاتِكُم } عطف على تخونوا، فهو مجزوم، ولا تخونوا أماناتكم، أو عطف مصدره على لفظ الخيانة مقدرا مما قيل: أى لا تكن منكم خيانة لله ورسوله، خيانة لأماناتكم، فهو منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الواو فى جواب النهى مثل: لا تكن جلدا وتظهر الجزع، لكن على معنى أن خيانة الله ورسوله تصاحبها، وتترتب عليها خيانة الأمانات فيما بينكم، فاترك الخيانة كلها لا على معنى لا تجمعوا بين الخيانتين، ولكم إفراد إحداهما، وهو خلاف المشهور فى نصب الفعل بعد الواو فى الجواب، فالجزم أولى.
وقد يقال: نهاهم عن الجمع بينهما لأنه أقبح، ولم يرد أن إفراد أحدهما جائز، وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء فى رواية عنه: أمانتكم بالإفراد وفتح التاء، وقدر بعضهم المضاف أى وتخونوا ذوى أماناتكم، وفى الحديث:
"أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" فأوقع الخيانة على الإنسان لا على الأمانة.
{ وأنتُم تعْلمُونَ } تعرفون الحسن والقبيح، أو تعلمون أن على الخيانة عقابا، أو تعلمون الخيانة وتأتونها عمدا، أقوال، والجملة حال على تلك الأقوال وهى مؤكدة على الثالث إذ لا يسمى بالخيانة إلا فى العمد، وإن أريد مجرد النقص مؤسسة.