التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٤٣
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إذْ } مفعول لاذكر محذوفا كما قال المهدوى، أو بدل من إذ قبلها، أو من يوم الفرقان، أو يوم التقى الجمعان، أو متعلق بعليم أى يعلم المصالح إذ { يُريكَهمُ الله فى مَنامِكَ قَليلاً } من يقولُ الرؤيا الحلمية تتعدى إلى اثنين أصلهما المبتدأ والخبر، فهى عنده هنا متعدية إلى ثلاثة بالهمزة، فإن يرى مضارع أرى، فالكاف مفعول أول فضلة فاعل للرؤيا فى المعنى، والهاء مفعول ثان مبتدأ فى الأًصل، والميم علامة، وقليلا مفعول ثالث خبر فى الأصل، ومن يقول متعدية إلى واحد فهى عنده متعدية لاثنين بالهمزة، وقليلا حال، والمنام مصدر ميمى بمعنى النوم، أو اسم زمان.
وذلك أن الله سبحانه أرى النبى صلى الله عليه وسلم المشركين فى منامه قليلا، فأخبر أصحابه فقالوا: رؤيا النبى صلى الله عليه وسلم حق فزال خوفهم، فاجترءوا على العدو وثبتوا، وحرصوا على اللقاء، والقلة التى رآها فى المنام بمعنى ضعف حالهم، وعدم ثباتهم للمؤمنين، كما تقول فى الشئ الكثير إنه قليل نظرا إلى قلة ثمنه أو منفعته، أو القلة قلة عدد، فيكون تأويل رؤياها الانهزام.
وعن الحسن: المنام موضع النوم وهو العينان، كما قيل للقطيفة: المنامة، لأنه ينام فيها، وعليه النقاش، وحكاه عن المازنى، قال بعضهم: وعليه فالرؤية فى اليقظة، قال جار الله إن هذا التفسير المذكور عن الحسن فيه تعسف، وما أحسب الرواية فيه صحيحة، عنه وما تلاءم علمه بكلام العرب وفصاحته، وذلك لأنه خلاف الظاهر والمتبادر، ولتكرره فى وإذ يريكموهم الخ، لأنه صلى الله عليه وسلم مخاطب فيه أيضا.
{ ولَوْ أراكَهم كَثيراً } وأخبرتهم { لَفشِلْتم } جبنتم عن لقائهم وضعفتم، والفشل الضعف عن الشئ بعد الشروع فيه، أو بعد العزم على التلبس به { ولَتَنازعْتم } اختلفتم { فى الأمرْ } أمر القتال، فبعض يدعو إلى الإقدام، وبعض إلى الإحجام، مثل من تجابذوا شيئا كل ينزعه عن الآخر.
{ ولكنَّ اللهَ } وقرأت فرقة بتخفيف النون مكسورة، ورفع اسم الجلالة { سَلَّم } سلمكم من التنازع والفشل المستلزمين للهزيمة، أو من الهزيمة لعدم ما يوجب الفشل والتنازع، وذلك كله نعمة توجب الشكر { إنَّه عَليمٌ بذاتِ الصُّدورِ } بالخصلة التى هى صاحبة الصدور، وهى ما يكون فى الصدور من جراءة وجبن، وصبر وجزع، وكفر وإيمان، وحب الله وغير ذلك، فيجازى على ذلك، أو ذات الصدور نفس الصدور، أى عليم بالصدور نفسها، فيكون كناية عن علم ما فيها مما ذكره.