التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٥٣
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ذَلكَ } الأخذ مبتدأ خبره ما بعده، وقيل: عذابه، عن سيبويه أنه خبر لمحذوف أى الحكم ذلك { بأنَّ } بسبب أن { اللهَ لَمْ يكُ } أصله يكون بإسكان الكاف وضم الواو والنون، نقلت ضمة الواو لثقلها إلى الكاف، وحذفت ضمة النون للجازم فكانت ساكنة، فحذفت الواو للساكن بعدها، ثم حذفت النون تخفيفا لشبههما بحرف العلة الذى يحذف للجازم كما يخففون لم أبالى إلى لم أبل بإسكان اللام وحذف الألف قبلها.
{ مُغيِّراً نِعْمةً أنعَمها عَلَى قَومٍ } بإزالتها أو بإزالة معظمها أو بتبديلها بالنقمة { حتَّى يُغيِّروا ما بأنفُسِهِم } ما فيهم من خير بشر، أو من شر إلى ما هو أسوأ منه، فهؤلاء وكفرة قريش كانوا قبل بعث الرسل مشركين عبدة أصنام، ولما أرسل إليهم الرسل كذب كل قوم رسوله، وما جاء به، وسعوا فى قتله، ولا شك أن التكذيب والسعى فى القتل زيادة فى الشر فحالهم فيها أسوأ من حالهم قبلها، وكانت قريش لم توصف بقطع الرحم، فلما جفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا به.
وكان أهل سبأ فى نعمة عظيمة، فبدلوا بها جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل، والرسل من جملة النعم، ولما لم تشكر قريش نعمة الرسالة نقلها الله إلى الأنصار بأن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليهم، ولا يخفى أن سبب الأخذ هو تغيير الناس ما بأنفسهم كما هو المراد بالآية، وليس سببه عدم تغيير الله ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم كما هو ظاهر الآية، ولا ما هو المفهوم من هذا الظاهر، وهو جرى عادته على تغييره متى يغيروا حالهم كما زعم القاضى.
{ وأنَّ اللهَ سميعٌ } لا يخفى عليه قول من الأقوال، فلا يخفى عليه أقوال مكذبى الرسل { عَليمٌ } بما يفعل الخلق وبما فى صدورهم، فهو عليم بما يفعل المكذبون، وبما فى صدورهم، فهو يجازى كلا بما فعل، والعطف على أن الله لم يك مغيراً.