التفاسير

< >
عرض

ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٦٦
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الآنَ خَفَّفَ اللهُ عنْكُم } بإزالة تلك المشقة التى هى ثبات الواحد للعشرة { وعَلم أنَّ فيكُم ضَعفاً } أى ظهر فى الخارج أن فيكم ضعفا، فعبر عن الظهور فى الخارج بالعلم، لأنه لازم للظهور ومعيب له فى الجملة، وإلا فالله عالم بالأشياء فى الأزل، قبل أن تكون، أو الواو للحال، أى وقد علم أن فيكم ضعفا، فالعلم على بابه، والضعف ضعف البدن، وقيل: ضعف البصيرة لا ضعف قلة، لأنه إنما خفف عنهم حين شق عليهم مقاومة الواحد العشرة وهم كثير حين التخفيف لا قليل، وكان بعضهم أضعف من بعض فى البدن، وبعض أضعف من بعض فى البصيرة، وبعض أضعف فيهما.
ولو قيل: المراد بالضعف ضعف البدن والبصيرة لجاز، وقرأ عاصم، وحمزة، وشيبة، وطلحة بفتح الضاد، وهما لغتان، والضم لغة الحجاز، والفتح لغة تميم، وكذلك اختلاف القراء فى الروم، وقرأ عيسى بن عمرو ضعفا بضم الضاد والعين، والمعنى واحدا وثلاثة مصادر، وقيل: الضم فى الجسم، والفتح فى الرأى والعقل، وعليه فيختلف معنى القراءات، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: ضعفاء بضم الضاد وبفتح العين و الفاء مع المد جمع ضعيف، وحكاها النقاش عن ابن عباس وبين التخفيف بقوله:
{ وإنْ يَكُنْ مِنْكُم مائةٌ صابرةٌ } بالفوقية عند نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم، وإنما قرأ أبو عمرو، وعاصم هنا تكن بفقية، ويكن هناك بالتحتية نظرا إلى التأنيث فى صابرة، والتذكير فى يغلبوا، ولم يعتبر يغلبوا هنا لتأخره عن صابرة، وقرأ الباقون بالتحتية، وقرأ الأعرج بالفوقية فى المواضع الثلاثة، ولم يقرأ بها أحد فى { وإن يكن منكم ألف } { يغلبوا مائتَيْن } منهم وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين منهم { بإذْنِ اللهِ واللهُ معَ الصَّابرينَ } بالنصر و العون، والإشارة بذلك إلى أن الواحد يثبت للاثنين، ولا يحب عليه أن يثبت لثلاثة، وإنما مثل هنالك بمثالين، وهنا بمثالين، مع أنه يكفى المثال الواحد هنالك، والواحد هنا، للدلالة على أن القليل والكثير واحد.
قال ابن جريج: كان عليهم أن يثبت الواحد للعشرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة فى ثلاثين راكبا، فلقوا أبا جهل فى ثلاثمائة راكب، فثقل ذلك عليهم وضجوا منه، ثم نسخ بمقاومة الاثنين بالواحد فقوله: { إن يكن منكم عشرون } إلى آخر منسوخ لقوله: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } الخ، ولا يشكل عليه أن الإخبار لا ينسخ لما مر أن قوله: { إن يكن منكم عشرون } الخ فى معنى الأمر، وكذا { فإن يكن منكم مائة صابرة } الخ وكذا قال الحسن بالنسخ، وذكر أنه ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر الإسلام وصار الجهاد تطوعا.
وكذا قال ابن عباس بالنسخ، قال: لما نزل { إن يكن منكم عشرون } الخ شق ذلك على المؤمنين ثم نسخ بقوله: { الآن خفف الله عنكم } الخ، ونقص عنهم من الصبر بقدر ما خفف عنهم، قال بعضهم: كان الفرار من الزحف كبيرة موبقة يوم بدر لمن فر حتى جاوز صف النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان على العموم ثم نسخ بقوله: { إن يكن منكم عشرون } الخ، ثم نسخ هذا "بالآن خفف الله" الخ نزلت بعد قتال بدر بسنة فى أمر أحد، ثم حل بعد ذلك الفرار، فمن قتل مقبلا أو مدبرا فإلى الجنة وهو شهيد إن وافق السنة، والمقبل يسبق المدبر وهو ضعيف، وقال أبو الحوارى: من قتل مدبرا فليس بشهيد، وعن بعضهم:
{ ومن يولهم يومئذ دبره } الخ منسوخ بقوله: { { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } الخ وهو ضعيف.
وعن أبى الحسن العمانى: الفرار فى الجهاد غير الغرض ليس كبيرة، وزعم بعض أن قتال الدفع يجوز الفرار منه، وعن ابن عباس فى رواية وغيره: إن ثبات الواحد للعشرة كان على الندب والتحريض، فعملوا به، ولو كان غير لازم، ثم خفف الله عنهم ببيان الحد الواجب للاثنين، فليس ذلك بنسخ وهو ضعيف، ومذهبنا أنه كان الثبات لعشرة واجبا ثم نسخ بوجوب الثبات للاثنين وهو من نسخ الثقيل بالخفيف، قال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر مثل ذلك.
من قرأ { الآن خفف الله عنكم } إلى { الصابرين } عقب الصلاة فى سبعة أيام أولها العصر من يوم الجمعة إلى صلاة يوم الجمعة ليلا ونهارا، وعند الفراغ من الأشغال زال عنه ما يخشاه، وخفف عنه حمل الأثقال، وثقل الأعمال، قال الغزالى: كان الحسن البصرى يكتب رقاعا للحمَّى فتوضع على المحموم فتزول، ولما مات وجد فيها:
{ بسم الله الرحمن الرحيم.. يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } } { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } { { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } } { { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } "وإن يردك بخير فهو على كل شئ قدير".