التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ
٦
-الانفطار

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ } أي شيء خدعك وجرك على عصيانه وماذا آمنك من عقابه، وما للإستفهام التوبيخي إنكارا للإغترار به وإنما ذكر الكريم مع أن المقام مقام توبيخ وإنكار والمعروف أنه إنما يغتر للكريم كما يروى عن أنه صاح بغلامه مرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال مالك لم تجبني قال لثقتي بحلمك وإنني من عقابك فاستحسن جوابه وأعتقه وكما اشتهر أن من كرم الرجل سوء أدب غلمانه للمبالغة في المنع عن الإغترار فإن الكرم المحض لا يقتضي إمهال الظالم وتسوية الموالي والمعادي وللإشعار بأن ذلك الغرور عظيم لا يناسبه الكرم فلا كرم لصاحبه وللإشعار بما يغره الشيطان به من قوله افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحدا ولا يعاجل بالعقوبة ولدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الإنهماك في عصيانه إغرارا بكرمه وإن حق الإنسان أن لا يغتر بتكرم الله حيث خلقه وأنعم عليه حتى يطمع بعد كفرانه أن يتفضل عليه بالثواب وطرح العقاب فإن هذا منكر خارج عن حد الحكمة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما تلاها غره جهله.
وقال عمر رضي الله عنه غره حمقه وجهله وقال الحسن غره والله شيطانه الخبيث الذي زين له المعاصي وقال له افعل ما شئت فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل أولا هو متفضل عليك آخر حتى ورطه، وقيل للفضيل بن عياض أن أقامك الله يوم القيامة وقال لك { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ } فماذا تقول قال أقول غرتني ستورك المرخاة وهذا على سبيل الإعتراف بالخطأ في الإغترار بالستر وليس ذلك بعذر كما يظنه الطماع ويظنه قصاص الحشوي ويروون عن أأمتهم إنما قال ربك الكريم دون سائر صفاته ليلقين عبده الجواب حتى يقول غرني كرم الكريم وحكى الثعالبي عن الثعالبي أن أهل الإشارة قالوا إنما قال بربك الكريم تلقينا للجواب حتى يقول غرني كرمك.
وروى التعالبي أنه قال صلى الله عليه وسلم لما تلاها غره جهله قال بعد الرواية فسبحان الله ما أرحمه بعباده وعن ابن مسعود ما منكم من أحد إلا سيقول الله له يوم القيامة يا ابن آدم ما غرك بي وماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ولعل مراد هؤلاء مراد ابن مسعود من أنه يعاتب الثائب السعيد عما صدر منه فيجيب بذلك وإما أن يكون ذلك جوابا ينفع غير الثائب فلا.
وعن يحيى بن معاذ لو قال ما غرك بي أقول غرك بربك بي سالفا وألفا وعن ابي بكر الوراق لو قال لي ما غرك بي لقلت غرني بك أنك أكرم الأكرمين، قال بعضهم ليس شيء أقرب الى الله من قلب المؤمن فإذا حضر الغير فيه فهو الحجاب ومن نظر الى الله بقلبه بعد عن كل شيء دونه ومن طلب طاعته أرضاه بحلمه ومن أسلم الى الله قلبه فولى جوارحه فاستقامت وإنما شهدت قلوبهم على قدر ما حفظوا من جوارحهم فألزموا قلوبكم نحن مخلقون وخالقنا معنا ولا تملوا من عملكم فإن الله شاهدكم حيث ما كنتم وأنزلوا به حاجاتكم وموتوا على بابه وقولوا نحن جهال وعالمنا معنا ونحن ضعفاء ومقوينا معنا ونحن عاجزون وقادرنا معنا فإن من لزمها كان الهواء والفضاء والأرض والسماء عنده سواء.
وعن بعض أن الآية نزلت في الوليد ابن المغيرة وقيل في أبي ابن الأشد وإسمه أسيد ابن كلدة وقيل اسمه كلدة بن خلف وكان كافرا ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه الله وأنزل الآية وقيل عامة في كل كافر وعاص وقرأ سعيد بن جبير ما أغرك ما على التعجب وإما على لإستفهام من قولك غر الرجل بالرفع فهو غار أي غفل وأغره غيره جعله غافلا.