التفاسير

< >
عرض

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
٦
-البروج

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِذْ هُمْ } الملك وأصحابه *{ عَلَيْهَا } أي على النار *{ قُعُودٌ } وذلك مجاز مرسل أي على ما يقرب منها والعلاقة المجاورة ومثله:

وبات على النار الندى والمحلق

ويقدر مضاف اي على جانبها أو المراد على الاخدود كذا قيل وبرده ان الاخدود مفرد مذكر إلا أن قيل ان ال في الاخدود للجنس فهو شامل للثلاثة كما روي انهم حفروا ثلاثة اخاديد فالتانيث باعتبار الجملة جملة الاخدود أو أول الاخدود بالحفرة وقد يقال المراد بالاخدود النار مجازا لاشتماله عليها او على تقدير مضاف اي قتل اصحاب النار الاخدود او يقدر مضاف اخر اي اخدود النار وعلى هذه الثلاثة فالبدل بدل بعض وعن شيخ الاسلام النار بدل اضراب قال الشيخ خالد عن الكواشي اصحاب الاخدود ثلاثة انطيانوس الرومي بالشام وبخت نصر بفارس ويوسف ذو نواس بنجران شق لكل واحد منهم شقا عظيما في الأرض طوله أربعون ذراعا وعرضه اثنى عشر ذراعا وهو الأخدود وملؤوه نارا وقالوا من لم يكفر القي فيها ومن كفر ترك انتهي. وقيل أن المراد في الآية أخدود نجران لأنه المشهور عند أهل مكة والمراد نجران اليمن وإن أصحاب هذا الأخدود ثمانون رجلا وإمرأة ولا يبقون واحدا الا بعد ما يعرضون عليه الكفر فيأبى وبقيت المرأة آخر فأبت الكفر وشفقت على صبي معها وقيل خافت أيضا على نفسها فانطقه الله لها يا أماه لا تنافقي فمضت فاحترقت قال مجاهد ذلك بنجران، وروي أنه قال يا أماه اصبري فإنك على الحق وعن علي كان أصحاب الأخدود حبشة أرسل الله اليهم نبيا منهم وهو المراد بقوله تعالى { ومنهم من لم نقصص عليك } فدعاهم الى الله سبحانه فتبعه أناس فقاتلهم الكفار فغلبوا وأخذ الشاردون منهم وأوثقوا وخدوا لهم الاخدود ففعل بهم ما مر وقال الصبي ما قال وذلك أيضا بعدما عرضوا عليهم أن يتركوا ذلك النبي، وقال سعيد بن جبير انهزم أهل أسفيد فقال عمر أي شيء جرى على المجوس من الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب فقال علي بلى قد كان لهم كتاب وكانت الخمر أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم فغلبت على عقله فوقع على أخته فلما ذهب عنه السكر ندم وقال لها ويحك ما هذا الذي أتيت وما المخرج منه قالت المخرج منه أن تخطب الناس وتقول إن الله قد أحل نكاح الأخوات لكم فقال الناس بأجمعهم معاذ الله أن نؤمن بهذا وما جاءنا به نبي ولا كتاب فبسط فيهم السوط فأبوا أن يفروا فجرد فيهم السيف فأبوا فخد الأخدود وأوقد فيه النيران فمن أبى قذفه فيها.
وعن ابن عباس كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له ذو نواس بن شرحبيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة وكان في بلاده غلاما يقال له عبد الله بن تامر وكان أبوه يرسله لمعلمه يعلمه السحر فكره الغلام السحر ولم يجد بدا من طاعة أبيه فجعل يختلف الى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة أحسن الصوت فأعجبه ذلك وكان إذا مر به دخل عليه وسمع وإذا أتى الساحر ضربه وإذا رجع من الساحر دخل على الراهب فيضربه أهله فشكى ذلك للراهب فقال له إذا اخشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا أخشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة خشيت الناس فقال اليوم أعلم الراهب أفضل أم الساحر فأخذ حجرا ثم قال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فأقتلها فرماها فماتت فمضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى فإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي فكان الغلام يبرئ الأكمه وهو المخلوق الأعمى والأبرص ويداوي الناس فسمع جليس للملك قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال اشفني فقال له لا أشفي إلا ما يشفي الله فإني آمنت بالله سبحانه دعوته ليشفيك فآمن به فشفاه فأتى الملك فجلس إليه كالعادة فقال له من رد بصرك فقال ربي فقال أولك رب غيري قال الله ربي وربك فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الغلام فجيء بالغلام فقال له أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إنما يشفي الله فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعى بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه الى نفر من أصحابه فقال لهم اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم دروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه أرضا فصعدوا به الجبل فقال اللهم رب العالمين أكفينهم بما شئت فرجف بهم الجبل أي تحرك فسقطوا وجاء يمشي الى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله تعالى فدفعه الى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقورة أي سفينة صغيرة وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقدفوه ففعلوا فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي الى الملك فقال له ما فعل إصحابك فقال كفانيهم الله تعالى ثم قال الى الملك لست قاتلي حتى تجمع الناس في صعيد واحد أي أرض مستوية ظاهرة وتصلبني على جذع نخلة ثم تأخذ سهما من كنانتي ثم تضع السهم في كبد القوس ثم قل بسم الله رب هذا الغلام ثم ارمني به فإنك إن فعلت ذلك قتلتني ففعل ذلك كله ووقع السهم في صدره فوضع يده على صدره في موضع السهم فقال الناس آمنا برب الغلام ثلاثا فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك فأمر بالأخدود فخد بأفواه السكك أي الطرق وأضرم النيران فمن لم يرجع أقحموه أي أدخلوه فيها فجاءت امرأة فتقاعست أي تأخرت فقال لها صبي يا أماه اصبري ولا تقاعسي فإنك على الحق ومثل ذلك لصهيب رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيها أنه كان للملك ساحر قال له كبرت فابعث الي غلاما أعلمه فبعث اليه غلاما وفي الحديث اثبات كرامات الأولياء وجواز الكذب في مصلحة ترجع الى الدين وفي انقاذ النفس من الهلاك وفي رواية المبشار بالباء وتخفيف الهمز.
وعن وهب بن منبه لقي رجل على دين عيسى صلى الله عليه وسلم فرفع الى نجران فأحبوه فصار اليه ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير وخيره بين النار واليهودية فأبوا عليه فخد الأخدود وأحرق إثني عشر الفا ثم تغلب أرباط على اليمن فهرب ذو نواس واقتحم البحر بفرسه فغرق وعن عبد الله بن أبي بكر أن خربة احترقت في زمان عمر فوجدوا عبد الله بن التامر واضعا يده على ضربة في رأسه إذ أميطت يده عنها انبعثت دما وفي يده خاتم حديد مكتوب فيه ربي الله فبلغ ذلك عمر فقال أعيدوا عليه الذي وجدتم وروي أنه أحرق سبعين ألفا.