التفاسير

< >
عرض

أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
١٧
-الغاشية

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَفَلاَ يَنْظُرُونَ } اي كفار مكة نظرا اعتبار *{ إِلَى الإِبِلِ } وجملة *{ كَيْفَ خُلِقَتْ } مستأنفة في التعجيب بأمرها أو بدل من الإبل اشتمال أي أفلا ينظرون الى كيفية خلقتها.
قال ابن هشام لا يكون كيف بدلا من الإبل لأن دخول الجار على كيف شاذ ومسموعا في على لا في الى ولأن الى متعلقة بما بعدها فيلزم أن يعمل في الإستفهام فعل متقدم عليه ولأن الجملة التي بعدها تصير غير مرتبطة وإنما هي منصوبة بما بعدها على الحال، وفعل النظر متعلق بها وهي وما بعدها بدل من الإبل بدل اشتمال والمعنى الى الإبل كيفية خلقها انتهى.
وفي الإبل تدبير عجيب تنهض بالأثقال الى البلاد البعيدة وتبرك بالحمل وتنهض به وتنقاد الى كل من قادها لا تصيح على ضعيف ولا تمانع صغيرا وبرائها طوال العناق لتنوء بالأوقار وترعى كل نابتة في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم وتحتمل العطش الى عشر فأكثر وخصت بالذكرر من بين سائر الحيوانات لأن نفعها أعظم ولأنها أعجب عند العرب وأعز أموالها وكان شريح القاضي يقول لأصحابه اخرجوا بنا الى الكناسة حتى ننظر الى الإبل كيف خلقت، وعن سعيد بن جبير قال لقيت شريحا القاضي فقلت أين تريد؟ قال أريد الكناسة قلت وما تصنع بها قال أنظر الى الإبل كيف خلقت وفي الإبل ما افترق في غيرها من لحمها ولبنها والحمل عليها وركوبها ونتاجها وزينة.
وعن قتادة لما ذكر الله ارتفاع سرر الجنة قالوا كيف يصعدها الصاعد؟ فأنزل الله الآية فإنها تبرك وتركب وكذا سرير الجنة وسئل الحسن عن هذه الآية وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال إن الفيل العرب بعيدة العهد به ثم هو لا خير فيه لأنه لا يركب ظهره عادة ولا يأكل لحمه ولا يحلب دره وحدثوا حكيما لم ينشأ في بلاد الإبل عن بديع أمر الإبل ففكر ثم قال يوشك أن تكون طوال العناق، وحدثني شيخي أن هذا نصراني لا أقام الله للنصارى قائمة ببركة كل اسم من اسمائه وهي في البر كالسفن في البحر وبدأ بالإبل لأن العرب أشد ملابسة لها ولا يفارقونها ليلا ولا نهارا ظعنا وسفرا والأرض ولو كانوا ألصق بها لا ينظرون اليها نظرهم الى الإبل، وقال المبرك الإبل هنا السحاب لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتي إرسالا كالإبل، وفي كلامه إشارة الى أن تسميتها إبلا مجاز تشبيه لا حقيقة ودعاه الى ذلك طلب مناسبتها للسماء والجبال والأرض والجمهور أن الإبل الجمال والمناسبة موجودة فإن هذه الأشياء قد انتظمت في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم.