التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ
١٤
-الفجر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } أي في المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده كالميقات من وقت والميعاد من وعد وهو كناية وتمثيل لإرصاد الكفار بالعقاب أي أعدده لهم وأنه لا يفوتونه ولا يخفى عليه حال من أحوالهم وإلا فالله متعالم عن المكان ولكنه في كل مكان لا ككونه يبصر ويسمع لا كرؤيتنا وسماعنا ولا يفوته كافر إلى الجنة والخلق راجع إلى حكمه وإليه مصيرهم. روي أنه قيل لبعض العرب أين ربك؟ فقال بالمرصاد، وقرأ عمرو بن عبيد هذه السورة عند المنصور ولما بلغ الآية قال { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ } يا أبا جعفر، قال جار الله عرض له في هذا النداء بأنه بعض ما توعد بذلك من الجبابرة وإذا علم العبد أن مولاه له بالمرصاد ودامت مراقبته في الفؤاد حضره الخوف لا محالة واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه قال الغزالي وبحسب معرفة العبد بعيوب نفسه ومعرفته بجلال ربه وأنه مستغن وأنه لا يسأل عما يفعل تكون قوة خوفه فأخوف الناس بربه أعرفهم بنفسه وبربه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أنا أخوفكم لله" وقال الله تعالى { { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وإذا أكملت المعرفة أورثت الخوف وإحتراق القلب ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على البدن أفتنقمع الشهوات وتحترق بالخوف ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والإستكانة ويصير العبد مستوعب الهم بخوفه والنضر في خاطر عاقبته فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل إلا للمراقبة والمحاسبة والمجاهدة والظنة بالأنفاس واللحظات ومؤاخدة النفس في الخطرات والخطوات والكلمات قال ولا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف انتهى الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للآخرة وقد أرصد العاصي بالعقوبة وأما الإنسان فالكرامة عنده كرامة الدنيا والإهانة إهانة الدنيا ولا يهمه إلا أمرها كما قال { فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا }.