التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
١٢٤
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإذا مَا } صلة لتأكيد جواب إذا { أنْزلتْ سُورةٌ فمنْهُم } أى من المنافقين { مَن يقُولُ } إنكارا واستهزاء { أيُّكم } وقرأ عبيد بن عمير بالنصب على الاشتغال، ويقدر المحذوف بعدها، لأن لها الصدر أى أيكم زادت { زَادتْهُ هذه إيماناً } والخطاب من بعض المنافقين لبعض، وقيل: من بعضهم لبعض المؤمنين المحقورين، أو لبعض المؤمنين الذين هم ذووا قربى، الذين طمعوا فى أن يتركوا الإيمان كلما يقول الإنسان منكرا: أى دليل فى كذا، وأى غرابة فى كذا، وإنما استهزءوا بزيادة الإيمان، لأن المؤمنين يعتقدون زيادة الإيمان بنزول القرآن، ورد الله عز وجل عليهم بقوله:
{ فأمَّا الَّذينَ آمنُوا فَزادتهُم } أسند الزائد إلى السورة، لأنها آلة له وسبب، وإلا فالزائد الله سبحانه وتعالى { إيماناً } تصديقا لله ورسوله { وهُم يسْتبْشِرُون } بنزولها، لأنها سبب لزيادة إيمانهم، وارتفاع درجاتهم، وزوال ما قد يعرض من شبهة، والآية دليل على زيادة، وما صح اتصافه بالزائد، صح اتصافه بالنقص، لكن تحقيق زيادته على أوجه:
الأول: أن ينزل الوحى قرآنا أو غيره فيؤمنوا به زيادة على ما نزل به من قبل وآمنوا، وسواء فى ذلك أمر التوحيد وغيره.
الثانى: أن ينزل الوحى بدليل آخر، فيعرف الله بعدة أدلة.
الثالث: أن الرجل قد يعرض له شك أو شبهة، فيرتفع بنزول الوحى ويرتقى عنه، ويتخلص منه.
الرابع: أن يرسخ الإيمان فى قلبه بتكرر نزوله، بحيث لا يخرج عنه إلى الكفر.
وأما زيادة الإيمان فى نفسه فلا يتصور، لأنه تحصيل الحاصل، مثل أن يكون زيد عندك معلوما، فلا يمكن أن يزداد لك علمه، وإنما تزداد علامة أخرى تقوى عملك به، فتكون قد عرفته مثلا بدليلين فلعل الخلاف مشهور فى زيادته لفظى، ثم رأيته قولا لبعضهم: إن الخلاف لفظى، لأن الدار على عدم تفاوت الإيمان محمول على أصله الذى هو التصديق، والدال على تفاوته محمول على ما به كماله وهو الأعمال، وما يتقوى به من علامات قيل إنما هو اسم التصديق البالغ حد الجزم والإذعان وهو لا تتصور فيه زيادة ولا نقص.
ورجح قوم زيادته بزيادة الطاعة، ونقصه بنقصها، أو تركها وأنت خبير بأن كثيرا من الناس يشكون فى أمر الإيمان بعد التصديق به، ولا ينقص إيمان الملائكة والأنبياء.