التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
٣٨
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يا أيُّها الذين آمنُوا ما لكُم إذا قِيلَ لَكُم انفِرُوا فى سَبيلِ اللهِ } أى إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: انتقلوا بسرعة فى سبيل الله للجهاد، وأصل النفر التنقل من مكان إلى آخر لأمر يحدث، والمضارع ينفر بكسر الفاء فى بنى آدم، وبضمها فى الدواب كذا قيل، تضم وتكسر فيهما ويستعمل أيضا النفر فى مطلق الذهاب، والخطاب لمن لم ينفر فى غزوة تبوك.
{ اثَّاقلْتُم إلى الأرْض } تباطأتم، وعدى بإلى لتضمنه معنى الإخلال والميل، فهو مثل قوله:
{ { أخلد إلى الأرض } وهذا جواب إذا، وإذا جوابها وشرطها حال من الكاف فى قوله: { ما لكم } أو هذا حال وجواب إذا محذوف مدلول عليه به، وهو بمعنى المضارع لكونه دليل جواب، والأصل تثاقلتم أبدلت التاء المثناة مثلثة، وسكنت وأدغمت فى المثلثة بعدها، فكان أول الكلمة ساكنا، فجلبت همزة الوصل، وقد قرأ الأعمش تثاقلتم بتاء مثناة فثاء مثلثة على الأصل، وقال أبو حاتم: قرأ الأعمش تثاقلتم بمثناتين فمثلثة، ولا يصح ذلك، إذ لا تزاد فى أول الماضى تاءان، وقرىء أثاقلتم بقطع الهمزة مفتوحة على الاستفهام التوبيخى، وقد سقطت همزة الوصل، وعلى هذا فجواب إذا محذوف قطعا دل عليه اثاقلتم بهمزة استفهام تقديره: اثاقلتم بهمزة الوصل، أو أبطأتم أو نحو ذلك، أو دل عليه ما لكم، فإنه بمنزلة ما تصنعون.
{ أرضِيتُم } استفهام توبيخ { بالحيَاة الدُّنيا مِنَ الآخرةِ } عوض الآخرة، فمن للبدلية متعلقة بمحذوف حال من الحياة، أو برضيتم، والدنيا مؤنث الأدنى، أى الحياة التى هى قرينة الزوال، أو دنية خسيسة، وهو خارج عن التفضيل، وهذا دليل على أن تثاقلهم كان بسبب حب الحياة ونعيمها، والمال والأهل والولد والزهد عن نعيم الآخرة.
{ فَما مَتاعُ الحيَٰوةِ الدُّنْيا } أى إن رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فليست منفعة الحياة الدنيا التى تتمتعون بها فى الحياة الدنيا { فى الآخِرةِ } أى فى جنب الآخرة ومقابلتها { إلا قَليلٌ } لنقصانه وتكدره وفنائه، بخلاف نعيم الآخرة، وفى متعلقة بنعت محذوف، أى المعتبرة فى جنب الآخرة، أو بنسبة الخبر إلى المبتدأ.