التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إلاّ } إنْ لا { تَنفِرُوا } إذا ما استنفركم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { يُعذِّبْكُم عذاباً أليماً } فى الآخرة، وقيل: فى الدنيا بقحط أو ظهور عدو أو نحو ذلك، وعن ابن عباس: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من العرب فلم ينفروا، فعذبهم الله بالقحط وإمساك المطر، وقول بعضهم: إن العذاب الأليم مختص بالآخرة غير مقبول، وكم من عذاب أليم فى الدنيا.
{ ويسْتَبْدلْ } بكم { قَوماً غَيرَكم } مطيعين لله ورسوله كأهل اليمن، وأبناء فارس، ينصرون دين الله إن خذلتموه، وقيل: يهلككم بالعذاب، ويستبدل قوما غيركم ينصرونه، وعن ابن جبير، عن ابن عباس: أبناء فارس، وقيل: أهل اليمن.
{ ولا تَضرُّوهُ } أى الله بتثاقلكم فى نصرة دينه، فإن الله غنى عن العالمين فى النصر وغيره، لا يصله ضر من مخلوق ولا نفع، وإنما تضرون أنفسكم، أو الهاء لسبيل الله، وقيل: هى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أى لا تضروه بالخذلان، لأن الله وعده النصر وهو ناصره حقا، وهو أنسب بالسياق اللاحق { واللهُ عَلى كلِّ شىءٍ قَديرٌ } فإن شاء نصر دينه ونبيه بلا جنود.
قال الحسن، وعكرمة: هذه الآية منسوخة لقوله:
{ { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } والصحيح أنها عتاب وخطاب لقوم تثاقلوا، فليست منسوخة، وهى تحضيض على غزوة تبوك، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة، أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل، فندب الناس إلى الخروج وذلك بعد رجوعه من الطائف، وأعلمهم بالمكان الذى يريد ليتأهبوا، وكان صلى الله عليه وسلم لا يريد الخروج لغزوة إلا ورى عنها بغيرها، إلا غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد المشقة، وشدة الحر، وكثرة وذلك بعد رجوعه من الطائف، وأعلمهم بالمكان الذى يريد ليأهبوا، العدو، والناس يريدون المقام فى ثمارهم، وهو وقت طيبها، وقلة إبلهم كما قال ابن عقيل شارح الألفية.
خرجوا فى قلة من الظهر، وفى حر شديد، حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما فى كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة فى الماء والظهر والنفقة، فسميت غزوة العسرة، وكان خروجهم إليهم يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وتسمى أيضا الفاضحة، لافتضاح المنافقين، فيها، وعن عمران بن حصين: لأن نصارى العرب كتبت إلى هرقل أن هذا الرجل الذى يدعى النبوة هلك وأصابتهم سنون، فهلكت أموالهم، فبعث رجلا من عظمائهم، وجهز معه أربعين ألفا، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للناس قوة، وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام، فقال: يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية.
قال صاحب المواهب القسطلانى، وهو من علماء الأندلس، منسوب إلى بلدته فى الأندلس وهى قسطلان، قال عمران بن حصين: فسمعته يقول: "لا يضر عثمان ما عمل بعدها" والعهدة على القسطلانى وعمران، فإن صح ذلك فمعنى ذلك الدعاء له بالخير لا القطع بأنه من أهل الجنة, وعن عبد الرحمن بن سمرة:
"جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها فى حجره صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها فى حجره ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" فإن صح هذا فذلك أيضا دعاء.
وإنما قلت ذلك لأخبار سوء وردت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك ما رواه الطبرى، عن حذيفة:
"أن عثمان بعث فى جيش العسرة بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصبت بين يديه، فجعل يقلبها ظهرا لبطن ويقول: غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالى ما عمل بعدها" وهذا كما يقول المتلطف لمن أراد قتله: يا سيدى لا أموت، أى لا تقتلنى، فكأنه قال: اغفر له ولا تعاقبه بذنب بعد هذه الفعلة، أو بعد هذه النفقة.
وعن قتادة: حمل عثمان فى جيش العسرة على ألف بعير، وسبعين فرسا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنود من المسلمين، لا يجمعهم كتاب حافظ، قاله كعب بن مالك، يريد ديوانا. وعن زيد ابن ثابت: كنا فى غزوة تبوك ثلاثين ألفا، لقد كان الناس يرحلون عند ميل الشمس كما ترحلون، والساقة مقيمون حتى يرحل آخر العسكر، قال بعض من كان على الساقة: يرحل آخرهم نساء، وترحل على أثرهم فلا ننتهى إلى العسكر إلا مصبحين من كثرة الناس، وقال أبو زرعة: كانوا سبعين ألفا، وعنه أربعون ألفا.
وقال الواقدى قالوا:
" كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفا، ومن الخيل عشرة آلاف فارس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة على الصحيح، وقيل: إنه استخلف عليا على المدينة وعياله، ولم يتخلف علىّ عن غزوة غير تبوك لما استخلفه صلى الله عليه وسلم، وقال له يؤمئذ: أنت منى بمنزلة هارون من موسى يعنى فى القرابة المطلقة، والنصر والإعانة، وخاف أن تتوهم نبوة علىّ فقال: إلا أنه لا نبى بعدى" ورجحه ابن عبد البر من علماء الأندلس، وهو فى حديث سعد بن أبى وقاص، وقيل: استخلف سباع بن عرفطة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب، أن يتخذوا لواء وراية.
"ولما خرجوا وكانوا فى السير، جعل الرجل يتخلف فيقولون: تخلف فلان يا رسول الله، فيقول: دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال: دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ثم إنه حمل متاعه على ظهره واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل يمشى على الطريق وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا ذر يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" يشير إلى أنه أبو ذر وفى رواية: "كن أبا ذر" .
ولقد خرج إلى الربذة ومات فى الطريق ومعه امرأته وغلامه، وقد أوصاهما أن يغسلاه ويكفناه ويضعاه على قارعة الطريق، ويقولا لأول ركب يمر بهما هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، ففعلا ذلك، ومر ابن مسعود فى رهط من أهل العراق عمارا، فقام إليهم الغلام فقال ذلك، فاستهل ابن مسعود يبكى ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك" وصلوا عليه ودفنوه، وحدثهم بما قال فى مسيره إلى تبوك.
وتخلف أيضا أبو خيثمة، وذهب إلى جنابهم وله فيه امرأة حسناء وقد أينع، ففرشت له فى الظل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحر والريح، ما هذا بخير، فقام فرحَّل ناقته، وأخذ سيفه ورمحه، ومر كالريح، ثم لحقه بعد وصوله تبوك ونزوله قالوا: هذا رجل راكب فقيل فقال: "كن أبا خيثمة" أى أنت أبو خيثمة، فالطلب بمعنى إن خيار، وقيل المعنى: اللهم اجعله أبا خيثمة، قالوا: هو يا رسول الله، وفرح به صلى الله عليه وسلم.
"ومرّ صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود ونزلها واستقى الناس من بئرها، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، ومن كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له، وستهب ريح شديدة، ومن كان له بعير فليشد عقاله وهبت وفعلوا إلا رجلين من بنى ساعدة، خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر فى طلب بعير له، فأما الذى ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذى ذهب فى طلب بعيره فإنه احتملته الريح حتى طرحته بجبل طيىء، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى، وأما الذى وقع بجبل طيىء فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة" .
"وروى أنه لما مر بالحجر سجى ثوبه على وجهه، واستحث راحلته ثم قال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون لئلا يصيبكم ما أصابهم" ولما أصبحوا ولا ماء شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا الله سبحانه فأرسل الله سبحانه سحابة فأمطرت وارتووا، وحملوا حاجتهم من الماء، وكان منافق معروف النفاق يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار، فأقبلوا عليه يقولون: ويحك هل بعد هذا شىء سحابة مارة، وضلت ناقته ببعض الطريق فخرج بعض أصحابه فى طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له: عمارة بن حزم، وكان عقبيا بدريا، وكان فى رحله زيد بن لصيت القينقاعى، وكان منافقا، فقال زيد بن لصيت وهو فى رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبى يخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدرى أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: "إن رجلا قال هذا محمد يخبركم أنه نبى ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدرى أين ناقته، وإنى والله لا أعلم إلا ما علمنى الله، وقد دلنى الله عليها وهى فى هذا الوادى من شعب كذا وكذا، قد حسبتها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتونى بها" .
فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة إلى رحله فقال: والله لعجب من شىء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عز وجل كذا وكذا للذى قال زيد بن لصيت، فقال رجل ممن كان فى رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد والله قالها قبل أن تأتى، فأقبل عمارة على زيد يضربه بيده فى عنقه ويقول: يا لعباد الله، إن فى رحلى لداهية، اخرج يا عدو الله من رحلى، ولا تصحبنى، فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض: لم يزل متهما بشر حتى هلك".
وعن معاذ بن جبل:
"وردوا عين تبوك تخرج قليلا من الماء، وغرفوا منها قليلا قليلا، حتى اجتمع فى شىء، ثم غسل صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت بماء كثير فاستقوا، ولما انتهى إلى تبوك أتاه يجنة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه جربا وأذرح فأعطوه الجزية" ، جربا بالجيم وأذرح بذال معجمة وحاء مهملة بلدتان بالشام بينهما ثلاثة أميال، وكتب لهم كتابا: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمانة من الله ومحمد النبى رسول ليجنة وأهل أبلة لمن فى البر أو فى البحر، لهم ذمة الله ومحمد النبى، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه، ولا يحل أن يمنعوا ما يردونه من بر أو بحر" .
ووجد هرقل بحمص فأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك وهو نصرانى ملك عظيم بدومة الجندل، وهو من كندة فى أربعمائة وعشرين فارسا وقيل: أرسله فى رجب فى غير غزوة تبوك، وقال: "ستجده ليلا يصيد البقر" فخرج خالد حتى إذا كان من حصته بمنظر العين فى ليلة مقمرة صائفة، وتلقاه وأخاه حسانا يطارد البقر، فشدت عليه خيل خالد فأسروه وقتلوا حسانا، وهرب من كان معهما، فدخل الحصن وأتوا بأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتلوه على أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفى بعير وثمانمائة فرس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح".
"وروى أن البقر باتت تحك بقرونها باب الحصن، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط، قال: لا والله، قالت: فمن يترك هذه؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخوه حسان، فتلقته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسروه وقتلوا أخاه، وعليه قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد، فبعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم متعجبين، فقال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا، فوالذى نفسى بيده لمنازل سعد بن معاذ فى الجنة أحسن من هذا" .
وقدم خالد بأكيدر بعد قيادة، فصالحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قريته، ومقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة، وقيل: عشرون وهو يقصر ولم يجاوزها، وروى أنه كتب فيها إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم يجب، "وروى أنه كتب إلى رسول الله: إنى مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذب عدو الله ليس بمسلم وانصرف إلى المدينة، ولم يلق كيدا" .
"وبنى فى طريقه مساجد، وكان فى طريقه ماء من عين، يروى الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له، المشقق، فقال: من سبقنا إلى ذلك الوادى فلا يسقبن منه شيئا حتى نأتيه فسبق إليه نفر من المنافقين: مقتب بن قشير، والحارث بن زيد، ووديعة بن ثابت، وزيد بن لصيت فاستقوا ما فيه، فلما أتاه صلى الله عليه وسلم لم ير فيه شيئا فقال: من سبقنا إلى هذا؟ فقيل: يا رسول الله، فلان وفلان وفلان، فقال: أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ولعنهم ودعا عليهم، ووضع يده تحت الماء النازل من العين، ومسح به ودعا، فانخرق من الماء ماحسة كالصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتم أو بقى بعضكم لتسمعن بهذا الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه" .
" "وفى غزوة تبوك مات عبد الله ذو البجادين بلا قتال ليلا، وأدلاه أبو بكر وعمر رضى الله عنهما إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره يقول لهما: أدليا أخاكما رأى ابن مسعود شعلة نار فى طرف العسكر فاتبعها، فإذا هم كذلك، ولما هيأه لقبره قال صلى الله عليه وسلم: اللهم إنى قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه ويقول ابن مسعود: ليتنى صاحب الحفرة" ، ولقب ذا البجادين لأنه ينازع إلى الإسلام فضيق عليه قومه حتى تركوه فى بجاد، وهو الكساء الغليظ الجافى، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين، اتزر بواحد، واشتمل بالآخر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ذو البجادين.
ولما دنى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لاستقباله، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلعَ البدرُ عَلينا من ثنيات الوداع
وجَبَ الشُّكر علينا ما دَعا لله داع

ووهم من قال: إن هذا عند قدومه المدينة من مكة مهاجرا، لأن ثنيات الوداع من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولما دنا من المدينة قال: "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر" أى وقد نووا السير، ولما أشرف على المدينة قال: "هذه طابة، وهذا جبل أحد يحبنا ونحبه" .