التفاسير

< >
عرض

فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
٨١
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَرِحَ المخلَّفون } أى المتروكون خلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم خلفه ومضى لتبوك، فكأنه قيل: فرح الذين خلفهم رسول الله، أو خلفهم الله، أى تركهم خلف رسوله، وأبعدهم من مقام الخير، فالمخلف أذمّ من المتخلف، أو خلفهم كسلهم ونفاقهم والشيطان.
{ بمقْعَدِهم } مصدر ميمى، أى لقعودهم عن الغزو فى المدينة خلاف رسول الله بمعنى بعد متعلق بمقعد، فهو كخلف، ويدل له قراءة ابن عباس، وأبى حيوة: خلف رسول الله، أو مصدر خالف فيكون حالا مبالغة، أو بتقدير ذوى خلاف، أو بتأويله بمخالفين كذا قيل، وهو إنما يتم على جواز تعريف الحال، فإن إضافة خلاف محضة، ولو فى حال وتأويله بالوصف لأن ذلك الوصف ماضر بالنسبة إلى زمان التكلم، أو مفعول لأجله، أى لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويناسب المصدرية قراءة بعضهم خلف بضم الخاء وإسكان اللام.
{ وكَرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بأمْوالهم وأنفسِهم فى سَبيلِ الله } ذم لهم بإيثارهم الراحة ونعمة الدنيا على طاعة الله، يتضمن مدحا للمؤمنين بإيثارهم رضا الله سبحانه وتعالى ببذل أموالهم وأنفسهم { وقالُوا } للمؤمنين تثبيط أو إغراء بالتأخير إلى زوال الحر، أو قال بعضهم لبعض، وقال محمد بن كعب، القائل رجل من بنى غلمة، وأؤيد أنهم قالوا للمؤمنين ما روى عن ابن عباس: أن رجلا قال: يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر فى الحر.
{ لا تنْفِرُوا فى الحرِّ } وكانت غزوة تبوك فى شدة الحر { قُلْ } يا محمد لمن قال ذلك { نارُ جَهنَّم أشدُّ حرّاً } من الشمس وهى جزاؤكم غدا آثرتموها بهذه المخالفة وقوله: { لَوْ كانُوا يفقهون } مستأنف ليس من جملة المأمور بقوله، وجواب لو محذوف، والتقدير لو كانوا يفقهون أنها مرجعهم إن تخلفوا، وكيف هى ما فعلوا ما يوجبها، أو لو كانوا يفقهون لعلموا أنها أشد حرا، ويجوز أن يكون غير مستأنف عن القول بأن يقدر قل فى شأنهم نار جهنم أشد حرا لو كانوا من الفقه.
"بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسير له يوم شديد [الحر] إذ نزل وجعل أحدهم يتقى الأرض بثوبه من شدة الحر فقال: أراكم تجزعون من حر الشمس وبينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام والذى نفسى بيده لو أن بابا من أبواب جهنم فتح بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من منخريه" وفى حديث: "إن ناركم هذه جزءا من سبعين جزءا من نار جهنم قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: فإنها فضلتها بتسعة وستين جزءا وكلها مثل جزئها، ولقد ضربت بالماء مرتين لتنتفعوا بها وتدنوا منها" قال النقاش: وقرأ عبد الله: "لو كانوا يعلمون".