التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩١
وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ
٩٢
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَيسَ عَلَى الضُّعفاءِ } كالشيوخ والصبيان والنساء، ومن هو فى أصل خليفته ضعيف أو نحيف لا يستطيع الغزو { ولا عَلَى المرْضَى } شامل للزمنى، والعرج، والعمى، وكل ذى علة حدثت فى بدنه تمنعه كمرض.
{ ولا عَلَى الَّذينَ لا يجدُونَ ما ينْفِقُون } فى مؤنة السفر والغزو، كزاد وراحلة، وسلاح وطعام، كجهينة ومزينة وعذرة قبائل فقراء، وقيل: نزلت فى بنى مقرن، وهم ستة إخوة صحبوا النبى صلى الله عليه وسلم وهم من مزينة، وليس فى الصحابة ستة إخوة غيرهم، وقيل فى عبد الله بن معقل المزنى، وقيل فى رجل من مزينة، سواء ثم أطلقت على اسمه وهو عائذ بن عمرو، واللفظ يشمل أيضا من ليس سببا فى النزول.
{ حَرجٌ } إثم فى التخلف، وإن خرج من كان كذلك منفعة كحفظ المتاع، وتكثير السواد لكان له أجر عظيم إن كان لا يلقى نفسه فى التهلكة، ولا يكون كَلاًّ { إذا نَصحُوا للهِ ورَسُولِه } بالإيمان والطاعة، سرا وعلانية، والحب والبغض فى الله ورسوله، أو يحفظ البلد، والتحرز عن إنشاء الأراجيف، وإثارة الفتنة، وإيصال الخير إلى أهل المجاهدين، والقيام بمصالح بيوتهم، وقرأ أبو حيوة بالنصب وإسقاط اللام، وعن قتادة: نزلت الآية فى ابن أم مكتوم وكان أعمى.
{ مَا عَلى المحْسِنينَ } الناصحين المعذورين، وأقام الظاهر مقام المضمر ليصفهم بالإحسان فلا يبقى للعتاب لهم وجه { مِنْ سَبيلٍ } طريق إلى عتابهم، أو تأثيمهم، فإنهم سدوا بإحسانهم تلك الطريق { واللهُ غَفورٌ رحيمٌ } للمسيئين إذا تابوا، فكيف بالمحسنين، أشار إليه ابن عباس رضى الله عنهما وقيل لهم:
{ ولا عَلَى الَّذينَ } عطف على قوله: { على الضعفاء } أو قوله: { ولا على الذين لا يجدون } أو قوله: { على المحسنين } { إذا ما } صلة مؤكدة لإثباتهم أنه حقيق صادقون فيه، والله أعلم { أتوْكَ لتحْمِلَهم } على الدواب لغزو، وعن بعضهم على الخفاف المرقعة، والنعال المخصوفة، وعن الحسن بن صالح: على النعال، قال بعض: إطلاق الحمل على التنعيل شاذ، وبالجملة أنهم لو وجدوا أدنى ما يركب ويحمل عليه ما يحتاجون إليه لخرجوا، وقرأ لتحملهم بالنون.
{ قُلتَ لا أجِدُ ما أحْمِلكُم علَيْه } الذى عندى أن جملة قلت بدل اشتمال من أتوك، فإن قوله قوله: { لا أجد ما أحملكم عليه } من سببيات إتيانهم للحمل، أو حال مقارنة، لأن المقارنة إما متعقبة لمعنى عاملها بلا فضل زمان كما هنا، وإما واقعة معه فى وقت واحد، وتقدر قد على هذا، ويجوز أن تقدروا أو معترضة على طريق الاستئناف البيانى، وأصلها بعد الجواب وهو قوله:
{ تَولَّوْا } كأنه لما قيل تولوا { وأعْينُهم تَفيضُ مِنَ الدَّمْع حَزَنا } قيل ما لهم: تولوا باكين حزنا، فأجيب بأنه قال لهم: لا أجد ما أحملكم عليه، ثم قدم على الجواب، وقال الجرجانى: معطوف بعاطف محذوف، أى وقلت: وقدر بعضهم الفاء وهو حمل على القليل إذ حذف العاطف وحده فى السعة قليل، ولا سيما على تقدير غير الواو، وأجاز بعضهم كون الجواب هو قلت، وتولوا مستأنف، ومن الدمع قال جار الله والقاضى: فى محل نصب على التمييز، ومن للبيان وهو باطل من حيث الصناعة، ولو صح من حيث المعنى، وقيل: من صلة، والدمع تمييز بتاء على جواز زيادة من مع المعرفة، وتعريف التمييز، وقيل: من صلة، والدمع بدل اشتمال من الضمير فى تفيض، وذلك أبلغ من قولك: يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأنها دمع، أى فائض، وحزنا مفعول لأجله ناصية تفيض، أو حال من الهاء مبالغة، أو بتقدير ذوى حزن أو بتأويله بحزنين أو مفعول مطلقا بمحذوف دل عليه تفيض { ألاَّ يَجدُوا } أى لئلا يجدوا متعلق بحزنا أو بتفيض، أى لأنهم لا يجدون إذا لم تحملهم وتنفق عليهم { ما ينْفِقُون } على تملك الحمولة وعليها وعلى أنفسهم، فيتعذر غزوهم وهم سبعة من الأنصار، سموا البكائين لبكائهم فى ذلك، معقل بن يسار، وعبد الله بن كعب، وعلبة بن يزيد، وصخر بن خنساء، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة، وعبد الله بن معقل.
وقيل سبعة من بطون شتى: سالم بن عمير من بنى عمر، وابن عوف، وحضرمى بن عمرو من بنى واقف، وأبو ليلى عبد الرحمن من بنى مازن بن النجار، وسلمان بن صخر من بنى المعلا، وأبو رعيلة عبد الرحمن بن زيد من بنى حارثة، وعمرو بن غنمة من بنى سلمة، وعائذ بن عمرو المزنى، وقيل: عبد الله بن عمرو المزنى، وعبارة بعض عتبة بن زيد.
وقال مجاهد: هم بنو مقرن الإخوة الستة، وقد مروا فى غير هذه الآية، وعزاه بعض للجمهور، وقيل: إنهم بنو مقرن، وإنهم ثلاثة: معقل، وسويد، والنعمان، والصحيح أنهم ستة، واسم الثلاثة الآخرين: عقيل، وسنان، وهند، وقيل: أحدهم عبد الرحمن، وقيل: نزلت فى عبد الله بن معقل، وقيل: عائذ بن عمرو، وقيل: فى العرباض بن سارية، وقيل: فى هؤلاء مع عمرو بن الحمام، وقيل: فى أبى موسى الأشعرى ورهطه، قال:
"أرسلنى أصحابى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان، فقال: والله لا أحملكم على شىء فرجعت حزينا بمعنه، وللخوف وجد على فى نفسه، فأخبرتهم ولبثت سويعة، وسمعت بلالا ينادى: أين عبد الله بن قيس؟ فأجبته، فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته فقال: خذ هاتين القرنيتين وهاتين القرينتين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد { فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء فاركبوهن" .
"وروى أن علبة بن زيد، صلى من الليل وبكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به مع رسولك، ولم تجعل فى يد رسولك ما يحملنى عليه، وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة فى مالى أو جسدى أو عرضى، ثم أصبح مع الناس، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أين المتصدق بهذه الليلة؟ فلم يقم أحد، ثم قال: أين المتصدق؟ فليقم فقام إليه فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: أبشر فوالذى نفس محمد بيده لقد كتبت فى الزكاة متقبلة" .