التفاسير

< >
عرض

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٤
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يعْتَذرونَ إليْكُم } عن تخلفهم { إذا رجَعْتُم } الخطابان للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، لأنهم يعتذرون أيضا للمؤمنين، وقيل: الخطابان للنبى صلى الله عليه وسلم والجمع تعظيم { إلَيْهم } من هذه الغزوة.
{ قُلْ } لهم { لا تَعْتَذرُوا } وعلل هذا بقوله: { لَنْ نُؤمنَ لكُم } أى لن نصغى ولن ننقاد إلى اعتذاركم لأنه كذب، وعلل هذا بقوله: { قَدْ نبَّأنا اللهُ } أى عرفنا بتشديد الراء فهو محتاج إلى مفعولين: الأول نا، والثانى محذوف منعوت بقوله: { مِنْ أخْباركُم } أى شيئا من أخباركم، أو هو إخبار ومن للتأكيد على قول أبى الحسن الأخفش، يجوز بزيادة من فى الإيجاب، ومع المعرفة أى قد نبأنا الله أخباركم، أو نبأ بمعنى أعلم، فالمفعولان الأولان هما ما ذكر، والثالث تقديره كذبا أو كاذبة، وأخبارهم على الوجه الأول هى ما فى قلوبهم من النفاق والفساد، والخيال والإيضاع، خلاف المؤمنين، وبفى الفتنة ونحو ذلك، وعلى الثانى هى كلامهم فى الاعتذار.
{ وسَيَرى اللهُ عَملكُم ورسُولُه } بعد ذلك أتتوبون عن النفاق أم لا؟ وهذا إمهال واستتابة، أو تفون بالوعد أم لا؟ وذلك أنه قيل: وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر، روى أن ابن أبىّ حلف بالله الذى لا إله إلا هو لا يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا، وطلبه أن يرضى عنه، فنزل ذلك إلى قوله:
{ الفاسقين } وإن قلت: لم قال: { وسيرى الله } وهو قد علم بما يعملون فى الأزل؟
قلت: لأن مراده بالرؤية الجزاء، وذلك أنها بمعنى العلم، والعلم بشىء يقتضى الجزاء عليه خيرا أو شرا، والجزاء إنما هو بعد العمل، أو لأن كما علمه فى الأزل، وبعد الأزل يعلمه إذا وقع أو لأن المراد سيراه الرسول، وذكر الله تعظيما وتأكيدا.
{ ثُمَّ تردُّونَ } بالبعث { إلى عَالمِ الغَيْبِ } كلما غاب عن الخلق { والشَّهادةِ } كلما شاهده الخلق، والأصل ثم تردون إليه فوضع الظاهر موضع الضمير ليدل على علمه بما أخفوا وما ظهروا { فَينبِّئكُم بما كُنتم تعْملونَ } بالتوبيخ والعقاب، وذلك أن المشركين يسألون فى بعض مواطن القيامة توبيخا، ولا يسألون فى بعض، ولا يسألون عتابا يعقبه رضا، أو أراد بالتنبيه الجزاء، فإن جزاءهم على أعمالهم كالإخبار بها، وإن لم يكونوا مشركين فلا إشكال، فإنهم يحاسبون حسابا يسيرا.